ماذا ينتظر القوميون؟

Share

مرّةً أخرى تكتظ معابرنا الإلكترونية بالرسائل والتعليقات حول آخر التطورات التي تشهدها ساحات “التنظيمات الحزبية” لتعكس كلّها حالاتٍ أبعدَ ما تكون عن كلِّ ما يمتُّ إلى “التنظيم” بصلة. آراءٌ وتعليقاتٌ تواجهها آراءٌ وتعليقات مضادة. قرارات يصدرها هذا الرئيس فيتحرك العسكر وتهتز الشوارع وتوصد الأبواب، فيندثر غبار قرار الرئيس ويتطاير فوق صخرة الروشة. وتتطاير معه الاتهامات: عميد يتمرد وآخر يتململ. تقفز وسائل الإعلام “الصديقة” منها والخصمة، فتنشر وتأوّل وتَصْدُقُ وتلفّق. القوميون منشغلون في آخر الخبريات والشائعات حتى بات هذا النوع من الأخبار بمثابة المورفين عندهم يسلّيهم ويمضون فيه أوقاتهم وسط أزمنة سوداء غاب عنها كل ما له علاقة بالعمل للمصلحة القومية.

في خضمّ هذه المعمعة والجعجعة والصعصعة ينبري “الغيارى” على سمعة “الحزب”، هؤلاء الذين تدب فيهم الحمية بين الحين والآخر فيحدثوك عن النظام وضرورة التقيد بتعليمات الإدارات العليا حتى تكاد تحتار بين الانفراط من الضحك أو الإجهاش في البكاء، ينبرون ليناشدوا “أصحاب الضمائر” بعدم نشر غسيل الحزب على مواقع التواصل وخارج الأطر التنظيمية، الأطر التنظيمية نفسها التي أوصدت أبواب مركز الحزب، الأطر التنظيمية ذاتها التي رفضت تبلغ (أو تبليغ، لم نعد ندري بالفعل) قرارات مسؤوليها، الأطر التنظيمية عينها التي ألغت قراراً لرئيس “حزب”.

القوميون إذن ملّوا من رؤية غسيل “مؤسساتهم” منشوراً على حبال مهترئة جعلت أثوابهم وحراماتهم وشراشفهم تتدلى حتى لامست أطرافُها وذيولُها وُحُولَ شتاء بيروت وغُبارَ دمارِ الشام ومستنقعات دماء فلسطين، ونسي “الغيارى” أن المشكلة ليست في الغسيل بل المشكلة بمن لطّخ ما ستر أجساد القوميين من لباس الأخلاق والتفاني ولوّثه بالفساد والتسلط والتعلّق بالمناصب، فلم يعد لهم من خيار إلا بنشره على حبال السطوح علّه يحظى بشيء من أشعة الشمس فيراه فعلاً ” أصحاب الضمائر”.

نعم، السطوح تعجّ بالغسيل، وحيال كلِّ هذا يقف القوميون مشدوهين ومستغربين، لا يعرفون أين وجهة الشمس، تحجب أنظارهم القرارات الضعيفة والقيادات المنحرفة اللامبالية والتعديلات الدستورية (على فكرة، هناك رزمة تعديلات دستورية جديدة سوف تعرض قريباً على الشاشة).

القوميون يرون إلى هذا كله فيصابون بالارتباك والذهول، وهذا من حقّهم، فهم آمنوا بفكر ونهضة تنقلهم من حالات الفوضى والتشتت والضياع إلى حالات النظام والتوحد والانتماء، فوجدوا أنفسهم يحدقون بفوضى ما بعدها فوضى تعاني منها مؤسسات كان من المفترض أن تسير بهم نحو النصر، فإذ بها تسير بهم إلى الهاوية والتفرقة والتنازع والتنافر والتبدد.

أمام كل هذا نطرح السؤال الذي يشغل بال كل المؤمنين بالنهضة السورية القومية الاجتماعية: ما هو هذا “الشيء” الذي ينتظره القوميون ليخرجوا من حالات الفوضى والتبدد ونشر الغسيل؟

العصا السحرية ليست متوفرة لنخرجها من تلافيف أثوابنا ونحركها ونصرخ “آبرا كادابرا” فيتوحد القوميون ويسيرون نحو تحقيق غاية حزبهم.

نعمة روح القدس لن تَحُلّ، لا ولن يظهر ملاك الرب على حنّا الناشف وأسعد حردان وعلي حيدر وعصام المحايري والياس شاهين فيجتمعون واضعين مصلحة الأمة فوق اعتباراتهم الخاصة متناسين ثاراتهم وتنافساتهم وأحقادهم.

المعجزة لن تحصل حتى ولو اجتمع كل القديسين والقديسات وكلَّت ألسنة القوميين من الصلاة والتضرع وتشققت رُكَبِهِم من السجود.

زر الذكاء الاصطناعي غير متوفر في الأسواق ليضغط عليه القوميون فيلمع الحل المنتظر على شاشات حواسبهم أو هواتفهم النقّالة.

الآلهة والبعول والأنبياء والمرسلون والملائكة بكل أجناسهم لن يُلهموا الحلول لأحد.

الجني لن يخرج من القمقم مانحاً صاحبه ثلاث أمنيات؛ 1- توحيد القوميين، 2- عدم تلهّيهم بالسياسات العقيمة، 3- جعلهم يعملون لتحقيق غاية حزبهم.

المشاكل التي تعاني منها التنظيمات والقيادات والمؤسسات القائمة لن تُحَلَّ بسحر ساحر، بل يجب على القوميين أن يستنبطوا الحلول من وعيهم لدورهم ولفكرهم ومن إيمانهم بفعل النهضة والمبادئ التي جاءت بها فاتخذوها شعاراً لهم. ولعل الخطوات الأولى في تلك الحلول هو دفع مسببي الأزمات من قيادات متعاقبة جانباً والعودة إلى ما يمليه عليهم وجدانهم القومي واستخراج الأعمال والمشاريع والخطط التي تهدف إلى لم شملهم بعيداً عن القائمين على المؤسسات المفلسة والمتصارعة على المناصب والوظائف والمراكز.

لقد أدّت التدخلات الخارجية، بالتعاون مع أصحاب النزعات الفردية داخل التنظيمات، خلال العقود الماضية إلى تسليم المؤسسات إلى رهط من العابثين. لقد آن الأوان لرفضهم ودرء تأثيراتهم على مقدّرات النهضة، وعلى القوميين أن يتنادوا في وحدات منظمة متفاعلة ومتعاونة. أما الذين يظنون أن المؤسسات بألف خير ويسلطون على القوميين سيوف “النظام”، هذا البعبع الذي استغلته قيادات متعاقبة ففصلت وطردت وشهّرت وقتلت واغتالت، فلينعم هؤلاء بمؤسساتهم، فمن لا يعي أنه يتخبط في آتون من التنازعات والتجاذبات السياسية لا يستحق أن يكون جزءاً من مشروع قومي يعنى باستنهاض الأمة، بل يبقى في ليتخبط في تأليه الأشخاص الساعين للحصول على مقعد نيابي أو حقيبة وزارية في كيانات هزيلة.

“عوا مهمتكم بكامل خطورتها والهجوا دائماً بهذه الحقيقة – حقيقة عقيدتكم ومهمتكم – حقيقة وجودكم وإيمانكم وعملكم وجهادكم”، وليس “حقيقة” المسترئسين والمستوزرين ومعدلي الدساتير لخدمة مصالحهم الخاصة.

 

0
0

1 Comment

نذير ميداني 28 يناير، 2019 - 11:25 م

دفع مسببي الأزمات من قيادات متعاقبة جانباً – كيف ؟
والعودة إلى ما يمليه عليهم وجدانهم القومي – كل واحدٍ و وجدانه !
أصحاب النزعات الفردية داخل التنظيمات – من هم ؟ و كيف نعرفهم ؟
على القوميين أن يتنادوا في وحدات منظمة متفاعلة ومتعاونة. – ؟ كيف ؟
اظن ان هذا المقال جيد في وصف بعض جوانب الداء – لكنه لم يقدم من الناحية العملية دواء .
ن . م

Post Comment