يعاني السياسيونَ من مشكلة مع الهمزات، ففي حين يتطلب الموقف استخدام همزة القطع بلا تردد، فإنهم يتفذلكون على أساس أنهم شطّارٌ دبلوماسياً، فيستخدمون همزة الوصل واهمينَ أنهم يحافظون على استمرار المياه في “مجاريرها”! وعندما يبدو الوصال نتيجة طبيعية لمعطيات التاريخ والجغرافيا ومنطق علاقة الأخوّة بين الحروف، فإنهم ينغلقون في كياناتهم طالبينَ القطع لأن للوصال ثمنه الذي يرعبهم دفعُهُ، كما تعلمون!
بعض السياسيين، عقد حلفاً مع الهمزة المتطرفة، وأرادوا أخذ الكلمات إلى غير فحواها الأصلي، غير مدركين مساوئ هذه الهمزة تحديداً على النص ودورها في حرفه عن مساره من طرف، ومن طرف آخر مخاطرها على أخواتها الهمزات الأخريات في الكلمات المجاورة! سياسيون آخرون، أُغرموا بالهمز واللمز دون إصابة كبد المعنى، فلم ينجوا من الهمزة المتوسطة وظلوا محتارين هل يُتبعونها إلى حركة الحرف السابق أم اللاحق أم إلى حركتها شخصياً، وبالتالي فإن أداءهم بقي رجراجاً مثل “الجيليه” ومليئاً بالأخطاء القاتلة إلى درجة أنهم نالوا علامة الصفر في الاستراتيجيا والإملاء!
الهمزات مؤرّقة للسياسيين أيها السادة، بعضهم يقول إن الهمزة على نبرة ثقيلة وصعبة الاحتمال دولياً، لأنها تتطلب نبرةً قوية وثقةً عاليةً بالنفس، وبالتالي فأولئك يذهبون طوعاً للتضامن مع الهمزة المكتوبة على السطر، نظراً لحياديتها وسكونها وتلاشيها ضمن سياق اللغات الأخرى التي لا يُؤخذ من كلامها لا حق ولا باطل!
الهمزات في بداية الكلام، تُرعب السياسيين، فهي تصيبهم بالتأتأة والنحنحة والإكثار من تكرار الـ:”أأأأأ.. إمممم”، ورغم أن هذه الهمزة واضحة مثل عين الشمس ولا تحتمل اللبس أبداً، فهم يهرعون إلى همزات الحروف الساكنة لأنها مضللة واحتمالية، اختلف حتى خبراء النحو في كيفية التعامل معها..
الهمزات لها مكانها الأثير عند العرب أيها البشر، وليس من قبيل الصدفة أن تبدأ الحروف الهجائية بالألف، فهي بمثابة الراية المرفرفة التي لا يرفعها سوى الفرسان، وإذا اعتبرنا اللغة جيشاً من الحروف، فالألف بحالاتها المختلفة هي القدوة والمفتاح وصاحبة كلمة السر، فمن ضاعت الألفُ من قاموسه، لم يقبض على اللام والميم وأخواتهما لأنه ضلّ ألف باء الطريق بالتأكيد!
قلة القراءات التاريخية، ورّثت السياسيين مطبّات النطق الآنية وكوارث التصرف الاستراتيجية، وإذا كان أجدادنا الأوائل قالوا للمرء: “تكلم كي نراك”، فإن المستمع لرجل السياسة اليوم، يتوسّله قائلاً: “اخرسْ.. وريّحنا من صداكْ”!
لدى السياسيين، ثأرٌ قديمٌ مع الهمزات، فذلك الحرف الصغير الذي لا “يعبي العين”، جعلنا نعتقد أن قادتنا يتحدثون السنسكريتي خلال الخطابات والمؤتمرات الصحفية واستقبال الضيوف… وبالتالي كان من الطبيعي القول: إن من لا يستطيع تقويم اللسان، كيف له أن يصون القلب ويحفظ بقية أعضاء الجسد؟ … عرفتوا كيف؟