لبنان وسورية، “هذه الواو الكافرة”مقابلة مع الأمين العام للمجلس الأعلى السوري – اللبناني

Share

تمهيد

تعصف بلبنان والشام عاصفة نقدية ومالية واقتصادية خانقة جراء العقوبات الأميركية والأوربية على الشام، وجراء الإفلاس غير المعلن الذي يعاني منه لبنان. في خضم هذه العاصفة، تطرح مجموعة من الأسئلة نفسها: هل ثمة خطوات مشتركة يمكن للكيانين القيام بها لمواجهتها؟ هل هناك استعداد سياسي للأخذ بهذه الخطوات في حال وجدت؟ هل هناك آلية لذلك في حال وجد الاستعداد السياسي.

طرحنا هذه الأسئلة على الأمين العام للمجلس الأعلى السوري – اللبناني، الأمين نصري خوري. وللتذكير، تأسس المجلس بموجب “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” التي تم توقيعها في 22 أيار سنة 1991، والتي استندت إلى “وثيقة الوفاق الوطني اللبناني.” وقد عين الأمين نصري خوري أمينا عاما للمجلس سنة 1993.

السؤال الأول: في لقائكم الأخير مع الرئيس اللبناني العماد ميشال عون في نهاية شهر كانون الثاني الماضي بحثتم، كما ذكرت وكالة “سانا” في حينه، عمل الأمانة العامة للمجلس.”

  1. هل يمكن التفصيل حول هذه النقطة؟
  2. ما هو رأي الرئيس عون بالمجلس الأعلى؟
  3. ما هو رأي الرئيس الأسد؟

جواب السؤال الأول، بكل فقراته

لا بد أولاً من أن نوضح الالتباس الحاصل والعالق في الأذهان حول مهام المجلس الأعلى وصلاحياته ومهام ودور الأمانة العامة للمجلس الأعلى وصلاحياتها. من أجل ذلك، يرجى مراجعة موقع المجلس الأعلى السوري – اللبناني. كذلك، وكخلفية تاريخية، يمكن مراجعة معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق. والتي نصت على إنشاء الهيئات المشتركة التالية:

  1. المجلس الأعلى
  2. هيئة المتابعة والتنسيق
  3. اللجان الوزارية المشتركة المخصصة
  4. الأمانة العامة للمجلس الأعلى

    إذن المجلس الأعلى هو الهيئة العليا المناط بها وضع الأسس والقواعد والخطط التي يجب أن تعتمد في التعاون والتنسيق بين البلدين واتخاذ ما تتخذه سائر الهيئات واللجان الأخرى من قرارات. أما الأمانة العامة فهي ليست هي صاحبة القرار، بل تنحصر صلاحياتها في وضع الاقتراحات التي تراها مناسبة لتطوير العلاقات ومتابعة تنفيذ ما يتم إقراره من قبل الهيئات المشتركة وضبط إعمالها ومحاضر اجتماعاتها. وفي هذا السياق ولكي لا ندخل في التفاصيل نود أن نشير إلى أن الأمانة العامة بذلت جهوداً تفوق بكثير إمكاناتها لجهة إعداد مشاريع اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات (39 اتفاقية) وقامت بعرضها على اللجان المشتركة والمشاركة في مناقشتها وصولاً إلى إقرارها وإبرامها أصولاً من الجانبين ومن ثم متابعة تنفيذ بنودها في إطار اللجان المشتركة الوزارية والفنية التي أنشئت لمتابعة تنفيذها.

    ولو أردنا أن نستعرض كل ما قامت به الأمانة العامة من إعمال وما بذلته من جهود في ظل ظروف بالغة التعقيد لاحتاج ذلك إلى مجلدات،علماً بأن لدى الأمانة العامة تقارير مفصلة مرفوعة إلى المجلس الأعلى وهيئة المتابعة والتنسيق تتضمن كل التفاصيل، ونأمل أن يُسمح لنا يوماً ما بنشرها ليعرف الجميع حقيقة ما بذلناه من جهود لتذليل الصعوبات وإزالة العراقيل وتجاوزها في ظل تعرض الأمانة العامة والأمين العام بشكل خاص لهجمات إعلامية وسياسية منذ تاريخ إنشاء الأمانة العامة حتى هذه اللحظة من قبل فئات سياسية لبنانية متعددة.

    وانطلاقًا مما أشرنا إليه أعلاه فأن الأمين العام في اللقاءات المعلنة أو غير المعلنة مع المسؤولين في البلدين يقوم بتقديم ملخص شفهي عن بعض الأمور الملحة التي تحتاج لمعالجة ويقترح طرق معالجتها ويعمل لاحقاً، على ضوء المناقشات، إلى إجراء ما يلزم، علماً بأن اللقاءات تشمل جميع المسؤولين دون استثناء وخاصة الوزراء وعملية الإعلان عن هذه اللقاءات لا يقوم بها الأمين العام، وذلك تقيداً منه بالأصول بل يقوم بذلك المسؤول المعني، وجميع اللقاءات التي تتم مع المسؤولين في دمشق لا يُصار إلى الإعلان عنها عملاً بالقواعد المتبعة والمقررة من قبل الدولة، وحتى في لبنان فالعديد من الجهات الرسمية لا تقوم بالإعلان عن هذه اللقاءات.

    السؤال الثاني: هل ثمة خطوات مشتركة يمكن للكيانين القيام بها لمواجهة العاصفة الاقتصادية المالية والنقدية؟

    لا بد من التأكيد بأن دورة الحياة الواحدة التي تربط البلدين في مختلف المجالات ولا سيما منها الاقتصادية، ما زالت فاعلة رغم كل المحاولات التي بذلت في مراحل متعددة لتقطيع أوصالها. وأن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها سبقت بكثير العلاقات القائمة على الصعيد الرسمي. من هنا فإن الأمين العام لطالما أكد في الاجتماعات الرسمية أو في اللقاءات العامة، بأن هذه الاتفاقيات التي يتم توقيعها وخاصة على صعيد التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية بمعناها الشامل، إنما الهدف منها اللحاق بالتواصل الاقتصادي والاجتماعي الحاصل خارج الأطر الرسمية والتي تتجاوز بكثير العلاقات على المستوى الرسمي. من هنا فالجميع قد لمس مدى انعكاس ما تعرضت له الدولة السورية من حرب تدميرية على لبنان اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. والجميع يلمس الآن أيضا مدى انعكاس الأزمة المالية والنقدية التي تعصف بلبنان على الوضعين الاقتصادي والنقدي في سوريا. وبالتالي فان التنسيق والتعاون بين البلدين لمواجهة تداعيات هذه الأزمة أمر أكثر من ضروري. وهنا لا بد من التنويه على أنه بالرغم بما لحق بسوريا من تدمير ممنهج للبنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية إلا أنها تمكنت من الحفاظ على قدراتها الإنتاجية خاصة في المجالين الزراعي والصناعي. وبأن ما لديها من فائض من الإنتاج قادر على تلبية احتياجات لبنان والعراق وحتى الأردن في هذا المجال وفي مجالات أخرى متعددة.

    إن الدولة السورية حاضرة للمساهمة في حل مشكلة النازحين التي يدّعي لبنان بأنها قد أرهقته مالياً واجتماعياً. من جهة أخرى فأن سوريا هي الرئة الإجبارية التي يتنفس منها لبنان وهي الممر الإلزامي للمنتجات اللبنانية إلى دول المحيط القومي (سوريا- لبنان- العراق- الأردن والكويت) ودول الخليج أيضا. وبالتالي فإن التعاون بين البلدين هو حاجة ملحة لبنانية أكثر مما هو حاجة سورية. وإذا كانت سوريا هي المدى الاقتصادي الطبيعي للبنان وهي صلة تواصله الأساسية مع سائر أرجاء المحيط القومي والمحيط العربي، فإن لبنان قد شكل في ظل الحصار المفروض على سوريا متنفساً أساسياً لها خاصة على الصعيد الاقتصادي ولاسيما لجهة تأمين الاحتياجات الأساسية المستوردة من الخارج. وهنا لا بد من إشارة ولو عابرة إلى أنه انطلاقاً من متابعتنا لحركة التنقل بين البلدين بالتعاون مع الجهات المعنية، لاحظنا بأنه ورغم المخاوف الأمنية فأن حركة تنقل الأفراد بين البلدين وخاصة حركة دخول وخروج اللبنانيين من سوريا لم تنقطع بل كانت تزداد يوماً بعد يوم بهدف التسوق من الأسواق في دمشق وحمص وطرطوس نظراً للفارق الكبير بأسعار السلع بين لبنان وسوريا. وهذا ما يؤكد بأن سوريا كانت وستبقى الخزان الغذائي للبنان رغم كل الظروف.

    لذلك نحن كأمانة عامة قمنا في أكثر من مناسبة بطرح حتمية العودة لتفعيل التعاون بين البلدين بما فيه مصلحة مشتركة للجانبين ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل على مختلف الصعد ولكن للأسف فان الخلافات السياسية في لبنان كانت دائماً تنعكس على العلاقات بين البلدين لا بل أن طبيعة هذه العلاقات غالبا ما كنت هي محور أساسي من محاور هذه الخلافات. هذا ناهيك عن تأثر الدولة اللبنانية بالضغوطات التي تمارسها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية مما أدى إلى عدم اتخاذها أي قرار يكسر حاجز الخوف هذا ويعيد حركة التواصل إلى طبيعتها مع سوريا.

    السؤال الثالث: هل هناك استعداد سياسي للأخذ بما تم اقتراحه من خطوات؟

    لا بد من التأكيد أولاً بأن الجانب السوري جاهز، لمناقشة كافة أوجه التعاون والسبل وآليات تفعيله على ضوء التطورات التي حصلت في السنوات الأخيرة وهو يدرك تماماً حقيقة الوضع في لبنان. وبالتالي فهو ينتظر من الجانب اللبناني أن يحسم موقفه وان يتخذ الخيارات التي تخدم المصلحة اللبنانية، فيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا بعيداً عن الضغوطات الخارجية عربية كانت أم غير عربية. وفي هذا السياق لا بد من كلمة حق تقال بأن الرئيس ميشال عون مؤمن بإعادة تفعيل العلاقات مع سورية وضرورة التعاون معها في مختلف المجالات وكذلك لمسنا هذا الاستعداد لدى رئيس الحكومة الجديد ومعظم الوزراء. ولكن التاريخ لا يسجل النوايا بل الأفعال. لذلك فان ما هو مطروح حالياً هو ضرورة أن تخرج الدولة اللبنانية من دائرة التردد والخوف من الضغوط الخارجية والعقوبات وخلاف ذلك من الذرائع التي تطرح لتبرير عدم الإقدام واتخاذ قرار رسمي في إطار مجلس الوزراء اللبناني بأهمية إعادة تفعيل عمل اللجان المشتركة من اجل إيجاد الحلول المناسبة للأمور العالقة والتي من شأنها أن تنعكس إيجاباً على البلدين. وفي هذا السياق ومن أجل تجاوز المزايدات السياسية الحاصلة في لبنان حول العلاقات مع سوريا فإنه من الضروري أن يقوم الجانب اللبناني وضمن أي إطار يراه مناسبا بتوضيح موقفه من الأمور التالية:

أولاً: مفهوم لبنان للعلاقات المميزة مع سوريا المنصوص عليها في اتفاق الطائف.

ثانياً: موقفه من معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون والتنسيق والأجهزة التي أنشأتها.

ثالثاً: موقف لبنان من الاتفاقيات الموقعة في إطار المعاهدة علماً بأنه قد تمت مراجعة هذه الاتفاقيات عام 2010 وتعديل بعضها على ضوء ما قدمه لبنان من اقتراحات.

رابعاً: موقع لبنان من الصراع مع دولة العدو وموقفه من دور دول المقاومة في هذا الصراع.

خامساً: كيفية ترجمة العلاقات الأخوية المميزة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع والأمن.

وبلورة موقف لبناني واضح من هذه النقاط أمر من شأنه أن يؤدي إلى إرساء قواعد التكامل بين البلدين على أسس ثابتة بحيث لا تنعكس لاحقاً الاهتزازات السياسية سلباً على هذه العلاقات كما حصل سابقاً أو كما هو حاصل حالياً منذ عام 2005 حتى تاريخه.

السؤال الرابع: هل المجلس الأعلى هو الآلية الصالحة لذلك وهل من خطوات يجب الأخذ بها لتأهيل المجلس للقيام بهذا الدور وما هي؟

أعتقد أننا قد أوضحنا في جوابنا على السؤال الأول صلاحيات المجلس الأعلى وصلاحيات الأمانة العامة وإجراء عملية التقييم أمر مناط بالمجلس الأعلى عند اجتماعه. وبرأيي أن الخطوة الأساسية المطلوبة في هذه المرحلة هو تأمين الظروف المؤاتية لعقد اجتماع للمجلس الأعلى اللبناني – السوري يقوم بعملية التقييم هذه أو يقوم بتكليف الهيئات الأخرى المشتركة القيام بعملية التقييم هذه بالتعاون مع الأمانة العامة التي بات لديها وخاصة لدى الأمين العام خبرة واسعة تمكنه من المساعدة في عملية التقييم وفي تقديم الاقتراحات التي من شأنها أن تساعد على تجاوز الأخطاء التي حصلت في المراحل السابقة.

0
0