في البدء كان الكلمة.
والكلمة عندنا عقيدة ومبادئ ومناقب.
ومنذ أن بدأ إنسان في أريحا بناء أول قرية في العالم، وأحسّ إنسان على ضفاف الأبيض المتوسط السوري برغبة اقتحام المجهول، فكانت الأشرعة تمخر البحر معلمة وهادية.
ومنذ أن بدأ عقل إنسان في سومر وبابل وأوغاريت وجبيل ينتظم في خط فكري متطور، فتنشأ حروف وتتكون كلمة…
و”الكلمة” عندنا هي سورية.
ولأجل هذه “الكلمة” كانت الأجيال السورية كلها. وكان الدم السوري المسفوح حفاظاً على قدسية الحرية والكرامة والمناقب.
من أجل الحرية والحياة نزف أدونيس دمه، فانتصرت الحياة بالموت على الموت. والأميرة الصورية آليسار عشقت الحريق والرماد مثل طائر الفينيق الأسطوري عندما دعتها كرامة قرطاجة للاختيار. والمسيح السوري ما كان ليعتلي خشبة الصليب لولا أن هاجس خلاص البشرية كان يتلبسه حتى القرار.
وظلت “الكلمة”، وظل متعبدوها يروونها بالدم النقي الطاهر.
ولأجل استمرار هذه “الكلمة” وقدسيتها كانت النهضة. وكنا نحن جنودها، وكان فارس آذار هادياً ومعلماً لها. ومعها، ولأجلها قدمنا سنوات مليئة بالتعب والآلام والمشقات، شباباً هم زهرة أبناء هذه الأرض وقرة عينها. ولم تدمع لنا عين. ولم تخنقنا عبرات الألم. كنا، وما زلنا، نعطي لهذه “الكلمة” القدسية خفقات القلب ونبضات الشرايين بفرح ونشوة.
في البدء كان “الكلمة”، ومن ثم كانت الأشكال والوسائل الكفيلة بإحقاق تلك “الكلمة” وانتصارها. واليوم تشتد أكثر من ذي قبل حاجتنا إلى “الكلمة” وضرورة العودة إلى أصالتها وغناها. فإذا لم نكن نحن حماتها ومحققي مجدها، فمن يكون؟ وإذا لم نوظف الأشكال والوسائل لخدمتها، فما الفائدة؟
باسم “الكلمة” التي نسمع أنينها ونشعر بأوجاعها نقول: خائن من يتاجر بالفكر والمبادئ والمناقب. باطل كل فعل يتحول إلى استعباد واستهتار بحياة الآخرين. وساقط كل من لا يحمل السوط ويعمل به ضرباً بأقفية الفريسيين وتجار الهيكل والصيارفة والزعران وأصحاب النفوذ والمرتبطين والمقامرين بكرامة الحزب والأمة…
“الكلمة” تصرخ، تتوجع، وتكاد تكفر بنا. ونحن مسؤولون أولاً، ومسؤولون ثانياً، ومسؤولون أخيراً. لأننا الوحيدون الذين حملوا أصالة هذه الأمة وروحيتها السامية. وأعلى درجات رقي العمل القومي الآن أن ينتضي العقائديون المناقبيون الأصيلون سيف الحق فوق رأس الباطل، كما سيف الأمة فوق رؤوس التنين…
إنها المهمة الأولى.
إنه صوت “الكلمة” الصارخ.
إنه ناقوس الخطر.
إما أن نخسر الحق والحياة و”الكلمة”… ونخسر أنفسنا.
وإما أن نربح “الكلمة” ونربح أنفسنا فيها. فتعود “الكلمة” هي البدء، وتعود سورية هي الرجاء.