لإضرام شعلة الأمل

Share

في عيد مجلة الفينيق الإلكترونية الخامس، وفي الذكرى الثامنة عشرة بعد المئة لولادة أنطون سعاده، باعث النور في الأمة، وبالإذن من رئيس التحرير في دعوته للكتابة في هاتين المناسبتين العزيزتين – لن أطفئ الشموع، ولن أنشد أغنية “هابي بيرث داي تو يو” التي وضعتها المدرّسة الأميركية باتي هيل منذ قرنين. اليوم هو يوم سوري بامتياز. هو يوم سأدعو فيه إلى ممارسة عاداتنا الجميلة نحن. وإلى القيام بكل ما تعنيه وتوحيه لنا نحن، ذكرى توقُّد شعلة الحقيقة والعقل والأمل بغدٍ أفضل.

أنا اليوم سأدعو إلى إضرام كل ما هو قابل للاشتعال والتوقد، من أفكار وتفاعلات ومشاعر في “أبّولة” لها أول وليس لها آخر، وسأدعو إلى إنشاد كل أناشيدنا وترديد كل مواويلنا. لن أطفئ ولا شمعة، وطبعًا لن أكتفي بلعن الظلام.

أن تحتفل الفينيق بعامها الخامس، فلهذه المناسبة العديد من الدلالات، لعلّ أهمها هو أنها استطاعت، على الرُغم من التحدّيات والعراقيل التي تمظهرت ولا تزال تتمظهر في طريقها بأكثر من لبوس، وبالإمكانيات المحدودة كمًّا الغنية نوعًا، استطاعت أن تشعل شمعتها الخامسة.

أما الدلالة الإيجابية الكبرى فتتجلى في استمرارها في خوض غمار تفاعلات إعلامية وفكرية وعقائدية في مقالاتها وتحليلاتها، في زمن السقوط الإعلامي عند الكثيرين ممّن يحملون، أو ظنّوا أنهم يحملون، راية الإعلام والفكر والعقيدة، وفي زمن الهبوط السياسي والأخلاقي الذي نشهده على امتداد ساحات الوطن.

اليوم، والعالم يشهد متغيرات وعلى أكثر من صعيد، من التكنولوجيا إلى الجيوسياسية إلى تغيير جذري في الخرائط والأقطاب العالمية، لا بد وأن نعلن للملأ، وفي كل حرف نخطُّهُ وفي كل كلمة نتفوَّهُ بها، كم كان سعاده رائعًا بحديثه عن تصارع الأمم البقاء، وفي رؤيته ونظرته إلى ضرورة تأمين المقومات والدعائم الثابتة للقوتين النفسية والمادية للمجتمعات التي ترفض القبر مكانًا لها تحت الشمس. هو كان المستشرف وهو كان الهادي.

ولكننا، وللأسف الشديد، نتطلع إلى حال أمتنا وحال الحزب الذي يشكّل خشبة الخلاص الوحيدة القادرة على نقلها مما تتخبط فيه إلى بر الأمان. فإذا بنا نتلهّى في صغائر الأمور من تجاذبات في انتخابات نيابية، كم تبدو قزمة أمام عظمة الغاية التي نسعى إلى تحقيقها، ونتبارى في التسابق إلى استرضاء “ماكينات سياسية” لا تمتّ إلى مقومات قيام المجتمع المدني العلماني بصلة. ناهيك عن الاستقواء بالأنظمة التي أوجدها الأجنبي أو تلك الخارجة عن الأطر والأفكار التي تكلّم عنها سعاده في بناء الدولة.

ومع ابتعاد أمتنا، ومن دون الغوص في العوامل والتفاصيل، عن الأسس الصحيحة لبناء مجتمع الغد، الأسس التي تقوم على المنطلقات الفكرية التي جاء بها سعاده، والتي تحاكي التطور العلمي وآخر النظريات في علوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والمال وغيرها، نرى ضرورة العمل بشكل منظّم وواعٍ لتوجيه الإمكانات الفكرية والعلمية والقدرات المتوفرة لدى القوميين في مجالات التخطيط والتعليم والتفكير الاستراتيجي وما شاكل، وعلى هدي صاحب الدعوة الذي نحتفل بذكرى ولادته، نحو توحيد المواهب والجهود والإمكانات بدل تفرّقها وتفرّدها، الأمران اللذان لا يتوافقان مع نظرتنا القائمة على أساس “اجتماعية” المصالح لا فردنتها. وهنا تبرز أهمية الدور الذي تقوم به مجلة الفينيق في توفير هذا المنبر الجامع للأفكار والاقتراحات والخطط العملية، والذي سيساهم، من دون شك، في توحيد النظرة والمفاهيم الشاملة للحياة والكون والفن، وبالتالي للتقدم والفلاح. فكثيرة هي المسائل والمجالات التي يمكن أن يكون للقوميين الاجتماعيين ولأصدقائهم دور أساسي في تحديد معالمها في مستقبل الأمة، كما هي كبيرة وعظيمة المسؤوليات الملقاة على عواتقهم. ولهم وحدهم القرار بين توظيف تلك المواهب والإمكانات والخبرات لصالح الفكرة الأساسية والغاية السامية التي أقسموا اليمين على تحقيقها، أو البقاء في حالات التشتت والتفرقة والانفصال عن الواقع الذي تفرضه التطورات والمستجدات والمتغيرات على الساحة القومية، لا بل في كل بقعة من بقاع العالم. هو نفسه القرار في الاختيار بين الكينونة والزوال، بين الوجود والعدم.

هنيئًا للفينيق في عيدها الخامس، وهنيئًا لأمتنا بذكرى مولد الإشعاع والنور، الأول من آذار عيد فتى الربيع.

0
0