كيف ترى التقارير الدولية حياة السوريين؟

Share

فقر.. جوع.. تعاسة.. فساد.. حريات محدودة

خالد معماري

اعتاد السوريون، خلال السنوات الأخيرة، على قراءة التقارير الدولية التي تؤكد أن بلدهم يتذيل جميع قوائم الترتيبات العالمية، سواء في المسائل المتعلقة بالسعادة، أو الفقر، أو الحريات، أو نصيب الفرد من الناتج المحلي، أو مؤشرات التنمية، أو حتى فيما يتعلق بجوازات السفر، لكن تلك النتائج المتدنية لا تعني للسوريين أكثر من كونها مجرد أخبار يتم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي، فلا تصريحات رسمية تنفيها، على الرغم من خطورتها، ولا اجتهادات حكومية حقيقية وفعالة تسعى لتغييرها.

غرقُ السوريين في أزماتهم اليومية لتأمين متطلبات الحياة، ضمن واقع اقتصادي متردٍ تغيب عنه أبسط المقومات ويحيط به ظلام غياب الكهرباء، هوى بهم إلى منطقة تنعدم فيها الرؤية، ووضَعَ سقفاً للمطالب والأحلام، لا يلامس حد الشبع، حيث بات أقسى ما يتمنونه توفر السكر، وزيادة مخصصات الخبز، والقليل من الدفء في الشتاء.

مئات التقارير الإعلامية المحلية السورية التي تحدثت عن واقع السوريين.. مشكلاتهم.. همومهم.. شكاويهم اليومية، وقد سلّط بعضها الضوء على جوانب من الفساد.. فهل استطاعت تلك التقارير، رسم صورة دقيقة عن معاناة المواطنين، أم أنها غرقت معهم إلى منطقة انعدام الرؤية، واكتفت بالتركيز على جوانب معينة من المشاكلات اليومية، متجاهلة ضرورة تعرية الواقع ومقارنته بالأشكال الطبيعية للحياة؟

عبر البحث عن واقع السوريين في التقارير الدولية، نجد العشرات منها تصف المشهد بصورة شديدة القتامة.. نأخذ على سبيل المثال، تقريراً صدر عن هيئة الأمم المتحدة في آذار 2019، يؤكد على أن أكثر من 80 بالمائة من السكان في سورية يعيشون في “فقر مدقع”، وقد عرّفت الأمم المتحدة (الفقر المدقع) بأنه “حالة تتسم بالحرمان الشديد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي والصحة والمأوى والتعليم والمعلومات”.. وتقرير آخر صدر قبل شهر عن مكتب الاحصاء المركزي، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، يؤكد أن نحو 84 في المئة من المواطنين السوريين، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.. وآخر صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) ذكر أن ما يقدّر بنحو 13.5 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية.. أما مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فقد خلص في تقريره الصادر في أيلول 2021، إلى أن 9 من بين كل 10 أشخاص في سورية يعيشون تحت خط الفقر.

التقارير السابقة لم تدخل في عمق المشكلة، بل اكتفت بإبراز القلق، وتسليط الضوء على واقع معيشي وانساني مترد، لمجموعة من المواطنين.. لكن بمتابعة البحث في التقارير نجد ما هو أكثر دقة في وصف الواقع الاقتصادي، فالبنك الدولي، يقدم تقييماً سنوياً عن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم، حيث إنه يصنّف اقتصادات العالم إلى أربع شرائح، وسورية حسب التصنيف تقع في شريحة البلدان منخفضة الدخل، أي الشريحة التي يقل نصيب الفرد فيها عن 1045 دولاراً سنوياً، وتضم تلك الشريحة عربياً كلاً من اليمن والسودان فقط، ولم يحدد البنك الدولي قيمة نصيب الفرد في سورية، لكن خلال البحث وجدنا تقريراً لمنظمة (بروجين)، تؤكد خلاله أن (نصيب الفرد من الناتج المحلي) في سورية يبلغ 870 دولاراً فقط.

معرفة (نصيب الفرد من الناتج المحلي) في أي دولة مهم جداً، فهو مؤشر يدل على مستوى الرفاه الاجتماعي لمواطني تلك الدولة، ويتم حسابه من خلال قسمة (الناتج المحلي الإجمالي) على (عدد السكان).

ومن معرفتنا بمعدل نصيب الفرد، يمكننا استنتاج سبب تأكيد موقع (اندكس موندي)، في آخر تقرير له، أن سورية تقع على رأس قائمة الدول الأشد فقراً في العالم، حيث بلغت نسبة الفقر فيها (حسب الموقع) نسبة 82.5%، متفوقة بذلك على كل من زمبابوي ومدغقشر وسيراليون.. أما عربياً فقد احتلت اليمن الترتيب 21 بنسبة 54%، والسودان الترتيب 28 بنسبة 46.5%.

مستوى الرفاه المتدني الذي يعيشه السوريون، بناء على ما سبق، سوف سينعكس بالضرورة على مستوى السعادة العام، وهو ما يمكن تبيانه من خلال مراجعة بيانات مؤشر السعادة العالمي، الذي تطلقه منظمة الأمم المتحدة سنوياً.. لكن خلال البحث وجدنا بأن سورية لم تذكر في جدول التصنيف العالمي لعام 2021، ما أعادنا إلى التقرير الصادر عام 2020 لنجد أن السوريين هم أقل مواطني الدول العربية سعادة، وقد جاء ترتيبهم في المركز 150 من أصل 153 دولة، أي في المركز الثالث قبل الأخير من الجدول، فيما احتلت اليمن المركز السادس قبل الأخير، بترتيب رقم 146، ومصر الترتيب 138.

أما عن الحريات، فقد أصدرت منظمة (بيت الحرية) وهي منظمة غير حكومية تأسست عام 1941، تقريرها السنوي لعام 2021، وحسب التقرير فإن سورية احتلت المركز الأخير عربياً، وقبل الأخير عالمياً، بنتيجة 1 درجة على مؤشر الحريات، بتقييم ناقص 3 في الحريات السياسية، و4 في الحريات المدنية، أما المرتبة قبل الأخيرة عربياً، فقد جاءت من نصيب السعودية، بنتيجة 7 درجات على المؤشر، حيث حصلت على تقييم 1 في الحريات السياسية، و6 في الحريات المدنية.

وفيما يخص الفساد فقد حافظت سورية على مركزها قبل الأخير في قائمة مؤشر (مدركات الفساد) لدول العالم، الصادر عام 2021، باحتلالها المركز 178 من أصل 180 دولة، وهو أدنى مركز بين الدول العربية، ولم تشهد البلاد أي تحسن أو تراجع في كل من الأعوام 2018 و2019 حسب البيانات.

يذكر أن مؤشر (مدركات الفساد) هو مؤشر سنوي تعده منظمة الشفافية الدولية، يصنف 180 دولة حول العالم حسب مستويات الفساد في قطاعاتها العامة، وتعتبر المنظمة أن هناك رابط يجمع بين الفساد والفقر، فتقول: “الفساد يعيق جهود الخروج من دائرة الفقر، من خلال تقويض النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة التي قد تحرر ملايين البشر من شراك الفقر”.

وهو ما يؤكد عليه أحد رؤساء المنظمة بالقول: “إن الفقر والفساد ظاهرتان تغذيان بعضهما البعض وتدفعان السكان نحو دائرة مغلقة من البؤس، والفساد يعتبر من الأسباب الرئيسية للفقر، حيث إن الدول الأكثر فقراً هي الدول الأكثر فساداً”.

استفحال الفساد يزيد من الفقر في أي بلد، والفقر يفاقم سوء الأوضاع الإنسانية والمعيشية فيه، والمعيشة المتدهورة تنشر التعاسة، وتخلق رغبة لدى المواطنين في السفر بحثاً عن الاستقرار أو العمل، وهو حق مشروع للجميع، ولا يحتاج إلى أكثر من وثيقة رسمية للسفر.. جواز سفر.

تصدر جميع دول العالم جوازات السفر لمواطنيها عند الطلب، وتحدد كل دولة تكاليف اصدار الجواز ضمن قوانينها، وقد احتل جواز السفر السوري المرتبة الأولى عالمياً من حيث تكلفة الحصول عليه (خارج حدودها)، والتي تتجاوز قيمتها 400 دولاراً، وتصل إلى 800 دولاراً في الحالات المستعجلة، ويأتي في المرتبة الثانية جواز السفر الأسترالي بتكلفة 282 دولاراً، يليه التركي بتكلفة 255 دولاراً.. أما من حيث القوة فقد صنّف جواز السفر السوري في المرتبة الـ 87 عالمياً وفقا لـ (PassportIndex)، وهي المرتبة الثالثة قبل الأخيرة، متجاوزاً جوازي سفر كل من العراق وأفغانستان، إذ يسمح للسوريين بدخول 4 دول بلا تأشيرة دخول، و29 دولة تمنحهم التأشيرة عند الوصول.

يقول الشاعر محمد الماغوط متسائلاً:

“لماذا تُفرض على هذا الشعب التعس النبيل من محيطه إلى خليجه أقسى وأطول (حمية) في التاريخ:

حمية عن الحرية، حمية عن الديمقراطية، حمية عن الحب، عن الفرح، عن التظاهر، عن السفر، عن العودة؟

كأنه مصاب (بقرحة أبدية)، وعليه أن يعيش إلى ما شاء الله على الحريّات المحمّصة والبرلمانات المسلوقة.. لماذا؟”.

 

0
0