نعم، إن القيادات الكردية متورطة بعلاقات تحالف وتآمر وخيانة لسورية مع الاميركيين ومع عدو وجودنا القومي كله، أعني دولة العدو الاسرائيلي. والقيادات الكردية لعبت دوراً سيئاً جداً في الحرب الحالية وإعتدت على الجيش السوري وغدرت به عدة مرات خاصةً في مدينة الحسكة والقامشلي. والقيادات الكردية وميليشياته الاميركية التسليح والإمرة سيطرت وأغتصبت أكبر وأهم آبار البترول السورية شرق الفرات أي أهم موارد الدولة السورية والشعب السوري الذي كان بأمس الحاجة لهذه الموارد في الحرب التي تشَن عليه والحصار الاقتصادي الذي يتعرض له. والقيادات الكردية تهدد بتقسيم سورية وإقتطاع منطقة الجزيرة السورية العليا وتأسيس إسرائيل ثانية هناك…ألخ.
ومع ذلك فليس كل الحق على الأكراد.
إن القومية العربية التي يحمل لواءها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يحكم سورية منذ أكثر من ستين سنة، هي التي أخرجت الأكراد منها وميزتهم وميزت ضدهم ودفعتهم دفعاً للتفتيش عن هوية أخرى وكيان آخر وللحلم بدولة يتمتعون فيها بحقوق ثقافية وسياسية كاملة مثل جميع شعوب الأرض. إن كلامنا هذا ليس كلاماً ملقى على عواهنه بل يستند الى وقائع وحقائق تاريخية يمكن رؤيتها بسهولة. مثلاً على ذلك أنظروا ماذا يقول أحد أبرز مؤسسي ومفكري حزب البعث المرحوم ميشال عفلق عن الأكراد سنة 1982 : “هل يضيرنا ان يكون هناك شعب كردي مؤلف من عشرة ملايين أو اكثر وأن يكون بمثابة الاخ والشقيق للامة العربية وان يكون هناك تعاون وتفاعل؟ نحن كعرب نساعد على تحريرهم نساعد اخواننا الاكراد على متابعة تحرير اجزاء وطنهم وشعبهم وتوحيده…” (من أحاديث الخامس من حزيران لميشال عفلق).
إن الأعتراف المستجد للدولة السورية بالأكراد كمواطنين سوريين اليوم يقابله تاريخياً إعتبارهم من وطن آخر، والاستاذ المرحوم ميشال عفلق يريد أن يساعد “إخواننا الأكراد على تحرير أجزاء وطنهم وشعبهم!
أما المرحوم زكي الارسوزي الملقب “أبو البعث” والذي شيد له حزب البعث تمثالاً في أكبر المدن السورية، فيعتبر اليهود أقرب للعرب من الأكراد ويقول في جريدة “فتى العرب” تاريخ 26- 1- 1938 ما يلي:
“…اما من جهة اليهود ان رأيي انه يجب ان يتفاهم العرب واليهود في العالم ويتعاونوا لاعادة مجد العرب وتحقيق العبقرية السامية وهي العبقرية العربية – اليهودية… اليهود شعب درج من اصل عربي وتطور وفقا لظروف احاطت به في الماضي فأبعد عن الاصل بعض الابتعاد في مظاهر حياته الا انه لا يزال محتفظا بعبقريته التي هي العبقرية العربية وما اندماجه مع العرب الا عودته الى اصله الحقيقي…“.
ولم يشفع بالأكراد أنهم مسلمون ويتكلمون اللغة العربية، بالإضافة الى اللغة الكردية طبعاً، بأن يكونوا عرباً بنظر البعث، فرغم أن أحد أبرز مفكري ومنظري البعث المرحوم ساطع الحصري يقول أن كل متحدث بالعربية هو عربي أكان يعي ذلك أم لا يعيه، (العرب نسبة الى لغتهم العربية وليست اللغة العربية هي النسبة الى العرب، كل متحدث بالعربية عربي اكان يعي ذلك ام لا يعيه، أو كان يريد ذلك أو لا يريد – ساطع الحصري- القومية العربية صفحة 65).
فقد بقي حزب البعث يضع الأكراد خارج القومية العربية وبقي الأكراد يعانون من التمييز ضدهم في ظل الحكم البعثي لسورية لعشرات السنين، بعد أن كانوا تاريخياً بدأوا يندمجون في المجتمع السوري حتى وصلوا الى أعلى المراتب والمواقع في الدولة قبل تولي البعث للحكم منذ أكثر من ستين سنة.
البعث مع عفلق يريد أن يتخلى عن جزء من الوطن السوري ليصير وطناً منفصلاً ومستقلاً للأكراد، في وقت يحلم هو “بوطن عربي” وهمي لا إسم له يشمل جيبوتي والصومال، فكيف ذلك!!
والبعث مع الأرسوزي يعتبر اليهود من أصل عربي ويريد إعادة دمجهم بالعرب في وقت يضع الأكراد خارج القومية العربية، فكيف ذلك!!
هذا كان في الماضي غير البعيد، أما اليوم فالبعث يقول للأكراد أنتم مواطنون سوريون ووطنيتكم هي سوريّة ولكنه بنفس الوقت يحرمهم من حقوق المواطنة الكاملة، فكيف ذلك!!
ففي مقابل نظرة القومية العربية التي تقول للأكراد أنتم لستم منا، هناك القومية الاجتماعية التي تنظر الى الأمة كمجتمع واحد وحّدته الحياة بجميع مصالحها وعلاقاتها الاجتماعية الاقتصادية في الوطن الواحد، بغض النظر عن تعدد الاصول العرقية والسلالية، فالوطن هو العامل الاساسي الأول في تكوين الأمة وإكسابها شخصيتها.
أما آن الأوان بعد ليعيد البعثيون السوريون النظر في منطلقاتهم العقائدية التي فشلت في صيانة وحدة الشعب السوري في سورية وتتطلّع بدل ذلك لوحدة خيالية مستحيلة مع سائر شعوب العالم العربي!
نحن نعرف أن كثيراً من المثقفين الواعين المخلصين يؤمنون بالقومية العربية على ظن وإعتبار أنها توحيدية تشمل جميع فئات الشعب وتساويهم في الحقوق، وأنها رد على النزعات الفئوية الجزئية التقسيمية الانعزالية، ولكن ألم يحن الوقت لنحاسب أنفسنا ونسأل كم كانت القومية العربية ناجحة أو فاشلة في سورية في توحيد كافة فئات وأصول الشعب السوري؟ وبالنسبة للمسالة الكردية بشكل خاص هل كانت القومية العربية عامل توحيد أم عامل تفريق وتقسيم؟ ألم يحن الوقت لنتطلع حولنا ونعيد النظر بالأفكار والمقولات التي إعتمدناها ونرى كم كانت صالحة أم غير صالحة لصيانة وحدة حياة شعبنا ووحدة مصالحه ومصيره في وطنه؟
إن ما يجري الآن في الشمال السوري صحيح أنه يضعف النزوع الكردي للإنفصال عن الدولة السورية، ويجبر القيادات الكردية لإعادة النظر في خياراتها الخطيرة، ولكنه يقوي ويزيد من التمدد التركي والسيطرة التركية والنفوذ التركي الأخطر. إن الإتكال على الروس والايرانيين للجم الأتراك وإخراجهم مستقبلاً من الشمال السوري، بالإضافة أنه وبكل تأكيد لا يضمن رد العدوانية التركية ومطامعها التاريخية في سورية، فإنه لن يحلّ المشكلة الكردية. ستظل المشكلة الكردية قائمة وتنذر بمخاطر مستقبلية طالما لا زلنا نعتبر “قوميتنا مختلفة عن قوميتهم” وطالما لم نأخذ بالقومية الاجتماعية التي تعتبر الأمة مجتمعا واحدا في وطن واحد بغض النظر عن الاصول العرقية والسلالية. لن يحل المسألة الكردية إلا القومية السورية الاجتماعية التي تشمل الجميع وتساوي الجميع في الحقوق المدنية والسياسية بشكل كامل. وعندئذ فقط تشعر الأجيال الجديدة الكردية الأصول بالإنتماء الحقيقي الكامل الى وطنها السوري ودولتها السورية ويصير ولاؤها لوطنها ودولتها تلقائياً وطبيعياً.
إن العديد من المحللين السياسيين يقولون لنا أن ما يجري الأن هو جزء من الترتيبات والتفاهمات التي جرت بين الاميركيين والروس والإيرانيين والاتراك، بموافقة الحكومة السورية، لإنهاء الحرب السورية. ويقولون إن النجاح في تسمية أعضاء اللجنة الدستورية التي ستضع دستور سورية الجديد ما هو إلا مؤشر على صحة ذلك التحليل. لكننا لسنا من هذا الرأي ولسنا متفائلين أبداً به إذا كان صحيحاً، لأن دساتير الأمم صاحبة السيادة الحقيقية لا توضع نتيجة تفاهمات وتدخلات خارجية، بل توضع بإرادة قومية داخلية موحدة وسيدة وحرّة. كما أن إستثناء الأكراد من تلك اللجنة، وأصرار الحكومة السورية على إشهار العروبة بوجه الأكراد وعدم الإكتفاء بالهوية السورية هوية جامعة لا تستثني أحداً، فإنه يؤشر الى تضمين الدستور العتيد “مشكلة كردية مستمرة” وقنبلة موقوته صالحة للتحكم بها من بعيد.
0 Comment
كلام جميل ألف شكر رفيقي
Fully Agree