يعتبر اليهود التوراة كلام الله، والمسيحيون يعتبرون التوراة والعهد الجديد (الإنجيل) كذلك. أما المحمديون فيعتبرون القرآن وما أنزل من قبل، أي التوراة والعهد الجديد كلام الله أيضاً. يُفترض أن كلام الله منزل. إنه يتضمن الحقيقة الكلية وكل ما يحتاجه الإنسان في حياته وبعد مماته. أما ما يشوب كلام الله في هذه الكتب من تناقض ولعنات ودعوات للقتل والسحل والإبادة والتشريد والكذب والرياء والسفاح والقوادة – راجع قصة إبراهيم وزوجته وفرعون في التوراة – فهذه كلها من مستوجبات الإيمان التي تقع تحت شعار “الله يعمل بطرق عجيبة”.
يمكن ان يتعامى المرء عن كل هذا ويضعه تحت خانة الإيمان الفردي حيث يمكن للمرء ان يؤمن بما يشاء وبما يريّح ضميره في حياته ويُطَمئن نفسه إلى آخرته. المشكلة أن كل اللعنات والدعوات للقتل موجهة إلينا نحن السوريين ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وأنها ليست دعوات أدبية أو شعرية. إنها دعوات تفعل في السياسات الدولية، إذ أنها تشكّل أساساً للبنية الدينية الأخلاقية في الغرب.
لا أعتقد أن هناك شعباً على وجه البسيطة تتضمن كتبه الدينية مثل هذه اللعنات عليه منذ جدوده الأولين حتى أجياله التي لم تولد بعد. ولا نعتقد أن هناك شعباً تتضمن كتبه الدينية “وعداً” لشعب آخر بقطعة من أرضه، وعداً مقدساً لا يخلف به الله، مع ما جلب ويجلب مثل هذا الوعد على شعبنا من مآس.
“هل لديك مشكلة مع كتاب الدين هذا”؟ يسألني أحدهم! نعم. لدي مشكلة مع الكتب الدينية الثلاثة المذكورة أعلاه، ولدي مشكلة أكبر مع رجال الدين الذين يروجون لها في عظاتهم وخطبهم، ومع جمهور المؤمنين بها كذلك.
أفٍ! ألهذه الدرجة؟
نعم.
تخيّل ردة فعلك إذا وقف شخص في وسط الشارع حيث منزلك، حاملاً مكبر صوت، شاتماً أهلك، وداعياً عليك وعلى ذرّيتك بالقتل والسحل. ماذا تفعل؟ هل تقول آمين، أو تأخذ أكبر عصا في منزلك وتنهال بها على رأس الشتّام، كائناً من يكون؟
وماذا تفعل إذا جاءك شخص ممسكاً كتاباً بيده وقال لك: “حسب كلام الله الموجود في هذا الكتاب، هذه الأرض ملكي، وعد بها الله أجدادي منذ الآف السنين، وعليك مغادرتها فوراً”؟
بل ماذا تفعل إذا جاءك شخص وقال لك: “عليك أن تطلّق زوجتك وتتخلى عن أولادك لأنهم ليسوا من دينك؟” (راجع سفر عزرا)، هل تفعل؟
إذا كنت مؤمناً أن هذا هو كلام الله، فعليك ان تنصاع له كما يفعل ملايين البشر. وإذا كنت لا ترى أن هناك علاقة سببية بين مآسينا وبين ما هو موجود في “كتب الله” عن “كلام الله”، فحضرتك لا تفهم قوة الكلمة متى أُضفيت القداسة عليها ونُسبت مباشرة إلى الله. فكلام الله أمرٌ، إنه لا يُعصى وعليك طاعته.
لم تبدأ حياتنا مع التوراة ولا مع العهد الجديد أو القرآن. حياتنا مستمرة منذ الآف السنين، وكان لنا أديان انطلقت من طبيعة حياتنا وبما يخدمها. كتبنا الدينية اليوم تضعنا في حالة تناقض مرعب بين متطلبات الإيمان ومتطلبات الحياة لمن يستخدم عقله أثناء قراءة كتب الدين وليس ما نشأ عليه من أوهام ومخاوف.
كنا نتوقع من السوريين القوميين الاجتماعيين، خاصة أولئك الذين يضعون شعار “العقل هو الشرع الأعلى”، أن يلعبوا دورهم في تحرير النفوس من مثل هذه النصوص، بل في تحرير كتب الدين من مثل هذه الشوائب، فإذا ببعضهم يقول لك: “هذا كلام الله”، نقطة على السطر.
1 Comment
عزيزي، الاستاذ اسامة تحياتي لك بداية. اسمح لي ان الفت نظرك انك عملت بناء على مقالتك اعلاه، قد حرى خلط ما بين “الكتب المقدسة” والكتب الجانبية. او ما يعرف “الاحاديث” او السرديات، انا هنا لست بصدد الدفاع عن الكتب المقدسة او الاحاديث والمرويات لكني اقول ان الاحاديث والمرويات ونتيجة تزويرها لمصلحة الدين نفسه، ادى الى ما ادت اليه من فهم خاطئ للدين( التلمود والتراث الاسلامي نموذجان) ان مشكلتنا مع الكتب المقدسة عنصران في غاية الاهمية العنصر الاول اعتبارها اي الكتب المقدسة مصدراً للتاريخ وهذا خطأ منهجي كبير. اما العنصر الثاني مسألة في غاية الخطورة اعتبار كل عنصر منها هو شعب الله المختار. ملاحظة: كنت من اسبوع كتبت عن اصل قصة شعب الله المختار. هذه الكذبة التوراتية. اذا نحن امام معضلة كبيرة وهي التعاطي الفوقي بين تلم العناصر الثلاث الدينية. وهذا يؤشر الى عدم الاعتراف الواحد بالاخر وهو الوحيد “الصح”.
احترامي وتقديري