تزداد قناعتي يوماً بعد يوم بأن رفقائي القوميين الاجتماعيين، بغالبيتهم العظمى، يجهلون القسم الأكبر من تاريخنا الحزبي القريب منه والبعيد. والأخطر من الجهل أنهم لا يسعون إلى سد هذه الثغرة المعرفية بالاطلاع على مرويات الرفقاء المخضرمين ومذكراتهم. كما وأن المؤسسات الحزبية المتعاقبة قصّرت كثيراً في هذا السبيل. وترتفع درجة الخطورة إلى حد الانفجار عندما يصرّ بعضهم على تقييم ذلك التاريخ، وإصدار الأحكام المبرمة من دون السماح لأحد بالاستئناف أو التمييز!
أذكر في مطلع سبعينات القرن الماضي أننا واجهنا “تياراً” بين الرفقاء في وحداتنا الحزبية، خصوصاً في الثانويات والجامعات، أصيب أتباعه بدوخة إيديولوجية وهوس فكري وتعلق طفولي بكل ما يمت بعلاقات القربى من الماركسية أو اللينينية أو التروتسكية أو حتى الماوية… وصولاً إلى كل ما فرّخته المدارس الاشتراكية والعروبية في طول العالم العربي وعرضه بعد هزيمة حزيران 1967 التي أسموها كذباً ونفاقاً “النكسة”.
المهم أننا كنا نرد على التيار المتمركس بالقول إننا لسنا ضد أي تطوير بالمطلق. لكن مثل هذه الخطوة المصيرية يجب أن تتم وفق مقاييس وشروط دقيقة جداً. . وكنا نشدد على هذه النقطة التي لا مفر منها لأن المنشور من كتابات سعاده في ذلك الزمن كان لا يتجاوز الخمسين في المائة تقريباً من مجمل تراثه الفكري في الوطن وفي المغترب القسري. فماذا لو أن ما نريد “تطويره” موجود في الكتابات غير المنشورة في الوطن، والتي كان الرفيقان بدر الحاج وسليم مجاعص يعملان على جمعها وتحقيقها تمهيداً لنشرها في “الآثار الكاملة”؟ (صدر الجزء الأول سنة 1975).
فلنترك أولئك “الرفقاء” في مناقشاتهم وتنظيراتهم، ولنقفز خمسين سنة كي نحط رحالنا في العام 2021، فما الذي نكتشفه؟
أما الجانب السلبي فيتمثل بأن الحزب السوري القومي الاجتماعي، المفترض أن يكون دولة الأمة السورية المصغرة، والحامل مشعل النهضة القومية الاجتماعية… هذا الحزب (بل الأحزاب) يمر في أزمة مصيرية حاسمة. ومرّة أخرى نرى أن بعض القوميين يتهربون من الاعتراف بالمسببات الحقيقية للأزمة، فيلجأون إلى فتح ملفات جانبية وإثارة مسائل ثانوية لعلها تخفي مسؤوليتهم هم بالذات في ما بلغه حال الحزب من تدهور مفزع.
من واجب القوميين الاجتماعيين أن يقرأوا سعاده في سياقه الزمني السياسي، وأن يقرأوه كذلك في راهنيته المعاصرة بهدف إجراء بحوث نقدية تضع الفكر القومي الاجتماعي على محك الأفكار الحديثة. وإذا كان سعاده هو البوصلة لنا جميعاً، فهو أيضاً القاعدة التي تقاس النتائج بها.
هناك ثلاثة شروط لا بد من توافرها عند الساعين إلى قراءة سعاده وفق معطيات الزمن الراهن:
-
الأول: استيعاب شامل مركز للفكر القومي الاجتماعي، ومعرفة دقيقة بتاريخ سعاده وتاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي من مصادره الأصلية.
-
الثاني: فهمٌ عميق للتيارات الفكرية المعاصرة، ودراية بمجريات السياسات العالمية سواء ما تعلق منها بالأمة السورية أو ما يؤثر فيها بطريقة غير مباشرة.
-
الثالث، وهو الأهم الذي إذا غاب فلا يكون هناك معنى للشرطين الأولين. ونقصد بذلك أن يتمتع هؤلاء بأعلى سوية من المناقب القومية الاجتماعية. إن فقدان الحس المناقبي لأي سبب من الأسباب يجرّد صاحبه من المصداقية والموضوعية والاستقلالية، وهي صفات تسبغ على ما يتم التوصل إليه قيمة فكرية مقبولة. فإذا أصيبت مناقب “المفكر” بلوثة الأنانية الفردية أو الفساد الإداري، فإن الشبهات المحيطة بحاملها ستنسحب على الطروحات الفكرية التي قد يعلن عنها حتى ولو كانت صحيحة على الصعيد النظري.
3 Comments
Amazing. Thanks
كمتابع لا عقائدي الاحظ ان انطون سعادة رفع الى مرتبة القديسين الذين لا يخطئون. هناك امور اساسية قالها سعادة بحاجة لاعادة نظر. مثلا مسألة الهلال الخصيب. كيف تحول العراق فجأة الى جزء من الوطن السوري؟ افهم ان السوري واللبناني والفلسطيني يشكلون امة واحدة (شوام بالتعبير المصري). لكن امة الهلال الخصيب؟ ما هذه الفكرة الغريبة؟ معروف ان العراق تاربخيا مختلف في الطبيعة والثقافة والاجتماع. وسعادة نفسه كان يكتب ذلك معظم حياته. لعل اعتبارات سياسية لدى عودته سنة 1947 كانت وراء هذا التعديل الغريب. اي انه في مرحلته المتأخرة قام بخلط السياسة بالعقيدة وهذا خطأ جسيم.
يرجى إرسال إيميل للتواصل.