سقطت فلسطين عام 1948 تحت الاحتلال، وأعلن عن إقامة دولة “إسرائيل” على أراضي الفلسطينيين، وهُجّر نحو 80% من أبناء الشعب الفلسطيني إلى الدول العربية المجاورة وإلى مناطق فلسطينية أخرى في الضفة الغربية
خلال هذه السنوات، مرّ الفلسطينيون في الداخل بمراحل عديدة، بدأت بمرحلة الحكم العسكري ومنع التجوّل، ثم مجزرة كفر قاسم عام 1956، ثم النكسة التي تسببت بحالة خذلان ويأس واسعة، ثم يوم الأرض عام 1976 ثم انتفاضة القدس والأقصى عام 2000 والآن في 2020، صفقة القرن التي تلوح في الأفق والتي تتضمن بندًا لتغييرٍ في مناطق النفوذ وسحب جنسية وربما “ترانسفير” بحق آلاف الفلسطينيين في منطقة المثلث. وبين هذه الاحداث كلّها، يتعرض الفلسطينيون في داخل الخط الأخضر لسياسات عنصرية مستمرة. فرغم منح إسرائيل جنسيتها لهم إلّا أنها لم توقف مدّ السياسات العنصرية ضدهم، من منع توسع البلدات وقوانين الهدم ومصادرة الأراضي، إلى تخاذل مقصود في محاربة العنف والجريمة المنظمة. فنسبة جرائم القتل في الداخل الفلسطيني أعلى من نسبة جرائم القتل في كل المناطق العربية المجاورة، علمًا بأن الثقافة هي نفسها في الداخل وفي مناطق الضفة وفي الأردن وفي لبنان وسورية. ناهيك عن سياسات عنصرية أخرى، في معظم مرافق الحياة، وتحريض مستمر، خصوصًا في السنوات الأخيرة مع صعود أحزاب اليمين للحكم وعلى رأسها نتنياهو.
وفي ظل هذه المعاناة المستمرة، والتي تتضاعف مع تفاقم ضعف وتمزق العالم العربي، الأمر الذي يعزز استفراد إسرائيل بالفلسطينيين وسط تعمد تكرار عبارة “انظروا ما يحدث في سورية، أو في العراق، اذهبوا إلى هناك إذا لم تعجبكم الظروف هنا”.. في ظل هذه المعاناة المستمرة، والتي تتجلى فيها إسرائيل بمشروعها كمطرقة فوق رأس الشعب الفلسطيني ومن ضمنه الفلسطينيون في الداخل، لا يسلم هؤلاء (فلسطينيو الداخل) من أبناء جلدتهم العرب، كشعوب وحكومات، باستثناء دول محور المقاومة. فالعرب بمعظمهم، بين من يجهلون بوجود هذه الفئة من الشعب الفلسطيني، وبين من يخوّنوها ويتهمونها بالعمل والتعاون مع إسرائيل، أو حتى يعتبرونها مجموعة سكانية إسرائيلية. أما منظمة التحرير برئاسة محمود عباس، فإنها تصرّ، خصوصًا في السنوات الأخيرة، على عدم ذكر فلسطينيي الداخل في معظم الخطابات والأحاديث حول الشعب الفلسطيني. بل وأنها في بعض الأحيان تشدد على أن فلسطينيي الداخل هم جزء من إسرائيل وعليهم التعامل وفق هذا الأمر ضمن “مشروع السلام المنشود”. وبين هذا وذاك، تُجمع كافة هذه الأطراف، ومعها أفراد من الشعب الفلسطيني، من منطلق جهالة أو عمالة أو دونية أو غيرها، على مصطلح “عرب إسرائيل” في تعريفهم لفلسطينيي الداخل، وهنا يطرح السؤال، من هم فعلًا “عرب إسرائيل”؟
بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي الذي يتعامل معهم كفلسطينيين وكطابور خامس داخل حدوده وأعداء في بعض الحالات، وبين سندان من لا يعترف بوجودهم أصلًا ويعتبرهم من اليهود، ومن يعترف، ويصّر على أن يطلق عليهم عبارة “عرب إسرائيل”، يظهر أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل كالأيتام على موائد اللئام، لكنهم رغم ذلك، يواصلون نضالهم بصمودهم ودفاعهم عن لغتهم وهويتهم ومقدساتهم وما تبقى لهم من قراهم ومدنهم، بشتى الطرق الممكنة.
بكر جبر زعبي
صحافي فلسطيني، من مواليد العام 1989، في قرية كفر مصر، بمرج بن عامر في الجليل الأسفل، يسكن في مدينة الناصرة، وقد بدأ مسيرته المهنية عام 2010، وعمل مراسلًا في عدد من المواقع الإخبارية والصحف المحلية في الداخل الفلسطيني، ويعمل اليوم مُحرِّرًا صحفيًا في موقع “بـُكرا“، وهو موقع اخباري محلي يختص بأخبار الداخل الفلسطيني والضفة الغربية وغزة، ومقرّه في مدينة الناصرة. كما ويشغل أيضًا وظيفة رئيس تحرير ومالك موقع “مرج بن عامر” وهو موقع اخباري محلي لمنطقة قرى مرج بن عامر والناصرة، وينشط في الكتابة بمنصات التواصل الاجتماعي، كذلك يعمل في ترجمة المقالات والنصوص وفي التسويق الإعلامي وفي إعداد البرامج التلفزيونية بشكل مستقل بين حين وآخر.