بعد عشر سنوات من لقائي بكريمة الزعيم الخالد، الدكتورة صفيه سعاده، كتبت وصفًا لمشاعر عشتها دقائق ذلك اللقاء، ولم يبق في خلدي مما قالت لي وقلت لها إلا لحظة لقائي بها ومصافحتها. قد تذكر هي تلك اللحظة أو لا، أما أنا فلن أنسى، لأن شعوري آنذاك لا يشبه غيره قطعًا! أعدت كتابة مقالي ذلك على صفحة موقع The Nationalist وكان ما كان من ردود الفعل، ليس هذا زمان التحدث عنها.
أما اليوم، بعد قراءتي للمقال القيّم الذي كتبه حضرة الأمين نزار سلوم بتاريخ 27 نيسان 2020، على صفحات الفينيق تحت عنوان “الورثة المبذّرون”، تيقظ تفكيري على لحظات لقائي مع كريمة الزعيم الدكتور صفية وانتابني شعوران. شعور أعادني الى لحظات لقائي بها، غمرني بفرح روحي يصعب وصفه تحديدًا حين صافحتها وسمعت صوتها ورأيتها أمامي، وشعور بالذنب والمسؤولية إزاء ما كتبه حضرة الأمين عن الحزب وعائلة الزعيم الخالد.
أعود وأرسل لمن يحمل الفينيق على كتفيه الرفيق أسامة المهتار، حضرة رئيس التحرير، عله يجد مقالي مناسبًا للنشر، طبعًا بعد تحريره وتصحيح ما يعتوره من أخطاء قواعدية واملائية!
لا أدري كيف قطعت المسافة لألحق بالدكتورة صفية سعاده، أمام مكتبة بيسان، بعد أن أخبرني صديق عزيز، لا بل سألني “عرفتها؟”، أجبت بالنفي. قال الدكتورة صفية، ابنة الزعيم! وكانت هي قد خرجت من المكتبة وأصبحت على مسافة غير قصيرة، ناديتها، غير آبه بمكان أو زمان: دكتورة صفية! فأدارت صوبي وقالت نعم، كنت خلال هذه الثواني القلية قد وصلت الى حيث وقفت، فقلت لها “دعينا نسلِم عليك لنُسعد بأننا صافحنا أحدًا من ذريته”! فكان سلام وكان حديث، وافترقنا، هي تسير للجانب الآخر من الرصيف وأنا في نشوة روحية تشّع من صورتها التي انطبعت على عدسة ناظريّ! كان هذا منذ عشر سنوات، ولا تزال نشوتي هي هي، كلما استعادت ذاكرتي تلك المناسبة الغالية عندما لامست يدًا من أيادي كريمات الزعيم الخالد، وأنا من الأجيال التي خاطبها قبل أن تولد.
وتلامس روحي اليوم روحًا من ذريته! وأنا أقرأ ملحمة التراجيديا، لا بل التراجيديات المتعابقة، من خلال مناجات الأمينة أليسار لوالدها، ويبدو لي أنها ولدت مرتين، في الأرجنتين مرة وبعد استشهاد الزعيم مرة ثانية!
سر الأرواح التي بلغت قمم المجد، وبانت لها كنوز علم سعاده المميزة، فاعتنقتها وتماهت في قدسية النهضة، سرُها أنها تحكي عن تراجيديا حياتها بلغة الأولياء الذين يجترحون من ظلمة العذاب وهجًا يمتزج بالضوء الذي اكتشفه الزعيم الخالد، فيصبح إشعاعًا، منه وفيه! من هذه العُلى تحدثنا روحك الوفية، أيتها الامينة المؤتمنة.
تلك هي الحقيقة التي رافقت قراءتي لمناجاة الامينة أليسار، وهي تخاطبنا فردًا فردًا، بأرقى ما قرأت وبأصفى ما فهمت وبأسمى ما سمعت، في مناجاتك للذي أكرمه تعالى بطهارة زوجة وبنات ثلاث، فتبنّى هو أبناء الأمة، الأحياء منهم، والذين لم يولدوا بعد!
والدك يبتسم وهو يسمع مناجاتك، وأنت تناجيه وتخاطبين ضمائرنا، نحن الذين اعتنقوا رسالته، وتركّزين بعضًا من الضوء على واقع أمتنا وتُرشدين أبناء النهضة إلى الذود عن الأمانة التي أودعها الزعيم الخالد في أعناقنا لكي نصونها ونحقق مبتغاها ونكف عن التمرس بالفردية التي حددها الزعيم الخالد بأنها الداء الأشرس، إن فتك فينا، ذهبنا لايقاع الحزب في سايكس-بيكو داخلية، نصنعها بأيدينا!
زعيمنا المعلم الذي وهب دمه وقودًا في سراج النهضة، كما اقتدى كل شهيد من شهدائنا، زعيمنا وشهداؤنا يستحقون أن نهب كل ما عندنا من صفاء فكر وقوة إرادة وما بين الحنايا لسراج الزعيم الخالد، لكي لا نتوه عن الدرب المطبوع على جبهاتنا، فسراجه واحد وضوءه شمس ساطعة، لا يضيرها ناكث ولن تنكفئ عن الإشعاع، فالشمس كوكب لا ينشطر وضوء النهضة لن يتفتت!
شكرًا لك مع كل دمعة انسابت، ونحن نسمعك تتحدثين، ومع كل نبض تراكضت أرواحنا لتقرأ أكثر. نرجو لهذا السلسبيل الرقراق أن يستمر كتابة وتوعية وإرشادًا، ونردد معك، لأجلك يا سوريا هذا القليل. ولتحيا سوريا. وسعاده سيبقى حيًا ما دامت أرحام أمهات سورية تلد أجيالاً خاطبها قبل الرحيل.