كنت أداعب المدير المسؤول في جريدة “النهار”، الزميل الرفيق جوزيف نصر، بسبب اقتصار مقالاته في ربع القرن الأخير من حياته على الكتابة عن مشاهير لبنان بعيد رحيلهم، وأضمن “نقدي” بالقول أنه كان يكتب عنهم سلفا، حتى اذا رحل أحدهم، ينفض الغبار عن المقال الخاص به، ويدفعه الى المطبعة. وفي موسم رحيل كوكبة من فرسان النهضة خلال الأشهر المنصرمة، سمعتني أتساءل: ترى هل تقمصت، عن غير قصد، شخصية الزميل الراحل ؟ ربما! لعل ما يشفع بي أمران: أولهما إن من كتبت وأكتب عنهم، هم رواد نهضة لا رجعة، والثاني ان ما أكتبه ليس رقيما بطريركيا
.
لم يعلق هنري حاماتي بشبكة جاروفة المكتب الثاني ذات الثقوب الضيقة بعيد المحاولة الانقلابية، وهو الذي كان مسؤولا عن الصفحة الثقافية في “البناء” البيروتية. أكثر من ذلك، فقد كتب بعد أيام من فشلها، مقالا في “النهار” ضمَّنه عبارة لقائد المحاولة الدكتور عبدالله سعاده وردت في خطابه الناري الذي ألقاه في مخيم ضبيه قبيل الثورة الانقلابية، وخلاصتها أن حفنة من أبطال الحركة القومية الاجتماعية ستحرر لبنان، كما حررت الجزائر حفنة من أبطال الثورة الجزائرية. وبغفلة من سامي الخطيب، تسللت قصاصة الجريدة إلى القاووش 14 في مضافة المير – ثكنة المير بشير- وتناوب الثمانون “ضيفا” على قراءتها والدموع تنهمر من عيونهم الجميلة، وكنت أصغر الضيوف وأكثر المدمعين.
التقيت بمؤلف “جماهير وكوارث” الف مرة ومرة، خصوصا في السنوات العشر التي أعقبت المحاولة، وقد اشتهر ككاتب اتسمت مقالاته وكتبه باللمعات الإبداعية، وكناشط قومي اجتماعي تميز بالشجاعة في تحديه لعسس المكتب الثاني أو بالأحرى الأول.. لذلك، حين انتقلنا في نادي الشراع الإنطلياسي -كان مركزه دير مار الياس، ورئيسه الأب مارون عطالله- إلى تسمية المتكلمين في الندوة المتمحورة على القانون الانتخابي البديل، اقترحت اسمه، واقترح الآخرون أسماء الشهابي باسم الجسر والشيوعي أمين الأعور والجنبلاطي عزيز الهاشم والكتائبي إدمون رزق.
ولكن، بعد أخذ الموافقة من الفرسان الخمسة، وطبع البطاقات، انسحب ثلاثة منهم بعد غمزة مخابراتية. وكان يمكن أن لا يبقى في الميدان إلاّ حديدان، لو لم يشارك إدمون رزق في الندوة، في أخر لحظة. بعد أن علم بان الاب مارون عطالله، قرر أن يحول المناظرة إلى محاضرة يلقيها حاماتي، اذا تغيب الآخرون. وفي المناظرة الثنائية، ارتجل هنري دراسة تمحورت على القانون النسبي، بقيت أصداؤها ترتجع بعد عام من إلقائها.
يبقى أن إعجابي بكتابات الأمين هنري حاماتي وعمق إيمانه بسعاده وعقيدته وشجاعته المعنوية، لم تحل دون مخالفتي لبعض آرائه التعميمية، وبخاصة التي ضمَّنها دراسته غير المطبوعة والمعنونة بكلمتي “الاختراق الكبير”، حيث يؤكد فيها أن كل الذين تولوا مسؤوليات عليا في الحزب ،كانوا مرتبطين بأعداء امتهم وحزبهم، وقد لقب الأمناء منهم ب”الكرادلة”.