“ضحايا جانبيّون” في عدّاد الجرائم الأميركية!

Share

زلة لسان جورج بوش الابن أثناء خطابه عندما قال “الغزو الروسي للعراق”، كان يشي بالكثير. فالعراق الذي غزاه سيئ الذكر بوش كان جريمة تخطت جميع القيم الإنسانية ولم تستطع أية قوانين محاسبة أميركا على فعلتها هذه. بل إن الأدلة الوهمية التي ساقها كولن بأول في مجلس الأمن عن أسلحة الدمار الشامل، لم تكن سوى جزءًا بسيطاً من جملة الأكاذيب التاريخية التي تسوقها الولايات المتحدة لتبرير جرائمها وسرقتها لثروات الشعوب في العراق وسوريا وفيتنام وأفغانستان. نعم لقد صدق بوش الابن عندما اعترف بزلة لسانه بأن ما حصل في العراق هو غزو. ولم يكن الرئيس بايدن بأفضل منه عندما صافح الهواء منذ فترة، فالعالم على ما يبدو محكوم بمجموعة من المعتوهين الذين تقف وراءهم شركات ضخمة تتاجر بالبشر وتخترع الحروب وبالتالي فهم ليسوا إلا واجهات لإدارات ضخمة تتحكم بها العقلية “الروتشيلدية” وسماسرة البنوك العالمية.

نجت الولايات المتحدة من جميع الجرائم التي ارتكبتها في العالم، وتواطأت معها الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بعامل الترهيب والترغيب، وبالتالي فإن تهمة جرائم بوتين في الحرب الأوكرانية لن تنطلي على أحد رغم الدعم التسويقي الكبير من قبل شبكات الأنباء العالمية. لقد قصفت الولايات المتحدة هيروشيما بالقنبلة النووية وقتلت آلاف الأشخاص بلمح البصر دون أن يرف لها جفن، ولم يتمكن أحد من محاكمتها.

التقارير التي تنشرها الصحافة الأميركية تبدو خير دليل على جرائم واشنطن في العالم، فقد سبق لتقرير نشرته نيويورك تايمز عن “مقتل” 1417 مدنيًا في سوريا والعراق، وقد اعتبر هذا الأمر مجرد خطأ ارتكتب أثناء محاربة داعش!

في عام 2016، قصفت القوات الخاصة الأمريكية ما كانت تعتقد أنها ثلاث مناطق تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في ضواحي قرية التوخار شمال سوريا. وأفادت القوات بأن الغارة أسفرت عن مقتل 85 مقاتلاً، لكن الحقيقة أنها قصفت منازل بعيدة عن جبهة القتال كان يحتمي بداخلها بعض المزارعين وعائلاتهم وعدد من سكان القرية. وقد قُتل أكثر من 120 شخصًا من سكان القرية في تلك الليلة.

جنود اميركيون ينهبون المتحف العراقي

وفي نوفمبر عام 2015، قصفت القوات الأمريكية أحد المباني في مدينة الرمادي بالعراق بعد أن رصدت شخصاً يجرّ “جسماً ثقيلاً مجهول الهوية” إلى “موقع قتال دفاعي” تابع لتنظيم داعش. وكشفت مراجعة الجيش للغارة أن هذا الجسم كان في حقيقة الأمر طفلاً لقى حتفه في الغارة. وحول ذلك قال النقيب بيل اوربان، المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية الأمريكية: “تحدث الأخطاء حتى مع استخدام أفضل التكنولوجيا في العالم، سواء بسبب المعلومات المنقوصة أو التفسير الخاطئ للمعلومات المتاحة. ونحن نحاول التعلّم من هذه الأخطاء.” بكل بساطة تتدرب الولايات المتحدة على الشعوب وتعترف بأن أخطاء القتل قد تحصل وهي مبررة بسبب منطق الحرب، لكن هذا المنطق لا يصح إلا لها وحسب مزاجها لأن البشر بالنسبة إليها مجرد أرقام فائضة عن معادلة نهب الثروات التي يمكن التضحية لأجلها بكل شيء.

تقرير آخر لنيويورك تايمز يكشف حادثة أخرى خلال شهر مارس عام 2019 وفي آخر أيام التنظيم الإرهابي “داعش” في مدينة “باغوز” في سوريا قامت القوات الأمريكية بمحاصرة حشد ممن كان يعتقد أنهم “إرهابيون” في منطقة ترابية وخلال لحظات رمت طائرة حربية أمريكية طراز f-15   قنبلة وزنها 500 باوند على الحشد ثم أخرى وزنها 2000 باوند، مما قضى على ما تبقى من الناجين، وتبين أن الحشد من المدنيين وكانت حصيلة “الخطأ” 50 ضحية أغلبهم نساء وأطفال عُزل. ولكن الرقم الحقيقي كان 70 ضحية. تحقيق التايمز يقول بأن الأمر بضرب الحشد كان صادراً عن فرقة عسكرية مسؤولة عن العمليات البرية في سوريا تدعى بـ”الفرقة التاسعة” أو “task forces 9” والتي تخضع للسرية التامة لدرجة أن لا تبلغ القيادات بأفعالها.

بالطبع لم يتم نشر أي معلومة عن الحادثة التي تعتبر حسب القوانين الدولية جريمة حرب تستوجب التحقيق والمحاسبة، تحقيق التايمز يقول بأن الموضوع تم طمسه من خلال تجميد التقارير وتحريف مكان الواقعة وبقية التفاصيل في الأوراق الرسمية التي تم دفنها، “جين تيت” المحلل السابق لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية قال “إنه انتقد عدم اتخاذ أي إجراء وتم إجباره في النهاية على ترك وظيفته” وذلك حسب التقرير.

نُشر تحقيق التايمز في تشرين الثاني من العام السابق وجاء الرد من الحكومة الأمريكية منذ أربعة أيام تقريبًا، يقول الجنرال “مايكل جاريت” الذي قاد تحقيقات البنتاغون في الحادثة إن ما يدعى بـ”قوات سوريا الديموقراطية” هي من دُعم جوياً في مواجهة التنظيم الإرهابي وأنه قد تلقى تأكيدًا بعدم وجود مدنيين في الحشد الذي تم قصفه، وقال متحدث باسم البنتاغون إن حصيلة القتلى من الإرهابيين كانت 51 رجلاً وطفلاً، ولم ينكر المتحدث وجود ضحايا من المدنيين ولكن حسب قوله فإن أعدادهم لم تتجاوز الأربعة مدنيين و11 جريحًا وكأن ذلك مجرد تبرير للوحشية.

يقول تقرير الجنرال جاريت: “(عن غير قصد) اعتمد القائد على بيانات لم تكن دقيقة بالكامل” ويضيف إن القائد “تصرف ضمن قواعد الاشتباك الدفاعية المصرح بها رئاسيًا، ولم يتعمد التسبب في وقوع إصابات في صفوف المدنيين، ولم ينتهك قوانين الحرب”.

تستخدم أميركا عبارات مثل: “معلومات غير دقيقة” و”ضحايا جانبيون” و”التعلم من الأخطاء” عند كل انتهاك تقوم به، حتى أصبحت تلك العبارات لازمات تؤكد حجم الانتهاكات التي يقترفها الأميركيون في مختلف مناطق العالم.

0
0