صفقة القرن، ملاحظات بديهية- نبيل المقدم

Share

صفقة القرن ليست وليدة اليوم، فقد بدأ الكلام عنها مع انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية سنة 2016. صفقة كان مقرراً لها أن تُعلَن بعد مدة من الزمن وليس اليوم. الذي سرّع إعلانها هو وجود همٍّ مشترك بين نتنياهو وترامب. فالأول يواجه خطر المحاكمة والدخول إلى السجن. والثاني كان يخضع للمحاكمة في مجلس الشيوخ ومهدّد بالعزل من منصبه. إذاً الاثنان كانا في مأزق، وبحاجة إلى حدث ما يعيد الثقة إليهما من قبل الرأي العام الأميركي والإسرائيلي، فكان تسريع الإعلان عن تلك الصفقة الحل الأنسب.

الأمر الثاني الذي عجّل في الإعلان عن هذه الصفقة هو الرد الإيراني على جريمة اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس التي أقدمت عليها الولايات المتحدة بتحريض إسرائيلي واضح. لقد كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى صرف النظر عن قصف قاعدة عين الأسد والخسائر التي لحقت بجنودها هناك. فقد نفت الولايات المتحدة وقوع أية خسائر في بادئ الأمر، ومن ثم بدأ الإعلان التدريجي والبطيء عن تلك الخسائر.

تاريخيا، يمكن النظر إلى هذه الصفقة على إنها استمرار في الإخراج التنفيذي لوعد بلفور الذي أعطى كل فلسطين لليهود. هذا المشروع مرّ بمراحل طويلة ومتعددة. بدءا من هجرة اليهود إلى فلسطين وصولا إلى نكبة عام 1948، وهزيمة 1967، لتأتي بعد ذلك اتفاقات الصلح المنفرد التي قام بها بعض القادة العرب مع كيان العدو من كامب ديفيد وصولاً إلى اتفاق أوسلو ووادي عربة. في كل مرحلة، كان العدو يعمل بشكل تدريجي على قضم الأرض في فلسطين وإقامة المزيد من المستوطنات عليها.

لكن الواضح حتى الآن أن الإعلان عن الصفقة لم يأتِ لترامب ونتنياهو بالنتائج المرجوّة. فالموقف الأوروبي مثلاً أتى فاتراً وغير متحمس. الفلسطينيون، شعبيا، وهم الأساس، أعلنوا بشكل صارم رفضهم للصفقة. أما الرأي العام الإسرائيلي فلم يبدُ عليه أنه فرح بهذه الصفقة أو انه يشعر أنها قدّمت له إنجازاً نوعياً.

موقف السلطة الفلسطينية من هذه الصفقة كان رافضا وموافقا في آن! لقد رفض التخلي عن القدس عاصمة لدولة فلسطين العتيدة، ولكنه لم ينبذ اتفاقية أوسلو التي تخلى بموجبها عن 78% من أرض فلسطين التاريخية. لقد اعترض على خسارة المزيد من 22% من أرض فلسطين التاريخية التي وُعد بها في اتفاقية أوسلو، ولكنه لم يدن المسار الذي أوصل إلى تلك الاتفاقية. ومع أن البعض رأى في موقف محمود عباس بداية ممكنة لإعادة اللحمة بين الفصائل الفلسطينية، إلا أن المواقف اللاحقة من لقاء مع مندوبة وكالة الاستخبارات الأميركية وعدم الذهاب إلى غزة وإعلانه أن كل تحركاته المناهضة لصفقة القرن ستكون تحرّكات سلمية ولا تتوسّل العنف طريقة للردّ، قد بدد تلك الآمال وأراح العدو الإسرائيلي.

إن “اسرائيل” ستلجأ إلى محاولة تمرير الصفقة مستندة إلى الدعم الذي وفّرته لها الولايات المتحدة والتي تمثل شرعية القوة. وقد يلجأ نتنياهو إلى الكنيست لإعلان شرعية هذا الاتفاق وذلك كمقدّمة لضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية إلى دولة الاحتلال. في المحصلة لا بد من العودة إلى اعتماد الكفاح المسلح طريقاً وحيداً لتحرير فلسطين، وهذا يعني، عمليا، التخلي عن نهج أوسلو واستقالة المسؤولين عنه وانبثاق قيادة فلسطينية جديدة تركز على ثلاث نقاط أساس: رفض جميع الاتفاقيات التي تتخلى عن أي جزء من أرض فلسطين التاريخية؛ اعتبار فلسطين القسم الجنوبي للوطن السوري؛ مسؤولية تحرير فلسطين هي مسؤولية الوطن السوري كله من العراق إلى لبنان.

لا تشمل خطورة صفقة القرن فلسطين وحدها، بل المنطقة كلها. إنها مرتبطة جذريا بما يدور في العراق والشام من احتلالات وحروب وتقسيم ونهب للموارد. الرد على هذا كله لا يكون بخطط موضعية لكل من هذه الكيانات على حدة. بل باستراتيجية تشمل الوطن السوري كله، وتحاول، قدر المستطاع، البناء على ما تبقى من قدرات عربية خارج محور العداء لسورية.

* نبيل المقدم: صحافي وكاتب سياسي. عمل في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. صدر له كتاب بعنوان “وجوه واسرار من الحرب اللبنانية”، عام 2016.

 

0
0