يُشهر صديقنا “الناصري” تهمة الأيديولوجيا في وجوهنا، كلما قرأ نصاً فيه ملامح للسَّرينة، ويعود إلى خطابات “أحمد سعيد” معتقداً أننا نقود تمرداً في “الإقليم الشمالي”، وكلما شاهد كلمة “سوريا” بالألف الممدودة، شعر أن مسلةً وخزته، فيعود إلى كتاب “التربية القومية الاشتراكية” المدرسي، كي يقول إن السرينة أو السورنة، نزعة فئوية إقليمية عميلة للامبريالية والصهيونية العالمية!
لا يستطيع صديقنا، تفكيك النصوص ومناقشة محتواها، وجلّ ما يزعجه هو انتماء الكثير من شعراء الحداثة إلى الحلم السوري الكبير، الذي لم تكن انعطافة القصيدة فيه، إلا نتيجة انقلاب فكري فلسفي شامل، افتقده الكابوس الناصري الذي لم يورّثنا إلا آثام عبد الحميد السراج!
يبكي “صديقنا” على قبر امرىء القيس، ويقول إنه دليل قاطع على عروبة المنطقة. ثم “يتشلهم” وهو يقتفي أثر القبائل البدوية على تخوم صحراء النفوذ، ويؤكد أن انتشال الماء بالدلاء، وشرب حليب النوق، أهون عليه، من السماع بالمسيح السوري، والدولة الأموية السورية، وميلياغروس وأبولودور الدمشقي.
“صديقنا” الناصري، بلا مناصرين الآن! ويجن جنونه كلما قرأ ما يكتبه المؤرخون النقاد، عن الحقبة الناصرية السوداء. وكلما عزّت عليه الدنيا، هرع إلى انتظار “الشمس” العربية، التي أقسم عبد الحليم حافظ أنها لن تغيب مادام على قيد الحياة!
ورغم وجود أكثر من حزبين ناصريين في الجبهة الوطنية التقدمية، على ما أعتقد، إلا أن عدد أعضائهم لا يتجاوز أبناء الأمناء العامين واللجنة المركزية، الذين ينتسبون بفعل القرابة وتبادل المسؤوليات وضرورات إعداد الأمين العام الصغير، ابن الأمين العام الحالي!
لم يغادر صديقنا “الناصري” طائفته. بل ظل يقول إن الدين الإسلامي أهم مقومات القومية العربية! كأن صديقنا إياه، عضو سريّ في جماعة الإخوان المسلمين. وعندما كنا نسأله عن حقوق المواطنة ومصير بقية فئات الشعب، كان يتذرع بحقوق الأغلبية، كأنه خارج من الجامع للتوّ!
صديقنا “الناصري” كهين فعلاً. فهو يكره شعر فايز خضور، ويمقت آراء أدونيس، ولا يستطيع الاستماع إلى قصائد كمال خيربك أو خليل حاوي، ولا يثلج صدره عند الحديث عن محمد الماغوط، سوى قصة “الصوبيا” الساخرة.. صديقنا “المشحّر”، صاحب تفكير قاتم مليء بالشحوار، ولا ينقصه سوى مدخنة! عرفتوا كيف؟