شماعة الحرب لا تنتشل قصور الحكومات!

Share

قديماً قالوا: لا تهدي الفقير سمكة، بل علمه الصيد! لكن هذه القاعدة ظلت غائبة عن خطط حكومات الترقيع التي لم تنجز مشروعاً استراتيجياً يرفع مستوى الدخل والأمن الغذائي والصحي وغيره. منذ أكثر من نصف قرن، والمشافي هي نفسها، والطرق نفسها، والأراضي الزراعية نفسها. ومولدات الكهرباء نفسها.. كأن هذه البلاد متروكة للصدفة بغض النظر عن الزيادة في عدد السكان والمواجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتعرض لها. تحولت سوريا من مصدّر للقمح إلى العجز عن توفير الخبز؟ بلد كان ينتج قرابة 400 ألف برميل نفط يومياً، و30 مليون مكعب من الغاز يومياً، وكان يحتل المركز الثاني بإنتاج القطن في العالم “20 ألف طن”، يدق اليوم أبواب المساعدات الإنسانية وتبرعات المنظمات الأهلية التي لا يمكن أن تشبع ولا تغني؟ بالطبع سيكون التبرير الآن هو خروج منابع النفط والغاز والقمح عن سيطرة الدولة السورية، لكننا نتساءل لماذا لم يتم خلال فترات الرخاء استخدام تلك الموارد في بناء مشاريع استراتيجية؟ ولماذا لم يدخل النفط في الميزانية العامة للدولة أصلاً؟ لاشك أن المساحات الشاسعة من الأراضي البور المتروكة بلا استثمار، كانت ستشكل بديلاً لما يعانيه السوريون اليوم، ولو توفرت المشاريع المائية الممولة من واردات النفط والقمح والغاز، لتمكنت سوريا من استثمار الأراضي الشاسعة التي تقع بين دمشق وحمص وحماه وتدمر، بزراعات استراتيجية تشكل خط دفاع ثانٍ بعد قمح الجزيرة.

لم يكن المواطن السوري قبل الحرب، يعيش في بحبوحة إذا ما قورن بالدول المجاورة، فالسوريون عانوا من التقنين الكهربائي رغم الثروات المتوفرة في أرضهم، وبقي دخل المواطن الأضعف عربياً، رغم الثروات المتوفرة. لم تستطع الحكومات المتعاقبة تبني دراسات علمية عن الاحتمالات القادمة والمشاريع الاستراتيجية لري الأراضي الزراعية وانتشار التصحر وبناء المعامل، على العكس، فإن الخسارات التي مني بها القطاع العام، فتحت الباب للمزيد من التدهور بسبب الخصخصة وسيطرة القطاع الخاص المحكوم بالربح نتيجة غياب القوانين أو عجزها عن ملاحقة التجار أو تواطئها معهم.

بلاد فيها مقومات لانتاج كل شيء، لكنها تستورد كل شيء! وبالطبع فإن مستورد السكر المتنفذ سيعارض أية خطة للنهوض بمعامل السكر وسيقول إن زراعة الشوندر السكري في منطقة الغاب مضيعة للوقت. وباعتبار أنه من أصحاب القرار أو من المؤثرين بمن يتخذ القرار، فإن انتاج السكر سيتدهور وسيصبح معمل السكر مجرد خردة نتيجة صدأ الآلات. الأمر نفسه ينطبق على صناعة الأحذية والملابس، فالنسيج السوري هو الأفضل عالمياً، لكن الألبسة الوطنية هي الأسوأ. بلاد الأنهار والينابيع، تعاني من العطش، والجفاف ليس السبب، بل الخطط التي تجلب الجفاف. ترى هل يتمكن أحد من فتح ملفات الاعتداء على نبع بردى وحفر مئات الآبار حول حرم النبع الذي نضب تقريباً لصالح تعبئة مسابح المسؤولين؟

لنحاسب الحكومات بناء على الأرقام والإحصاءات، فالدولار كان بثلاث ليرات سورية ووصل اليوم إلى 7500 ليرة. دخل المواطن اليوم لا يتجاوز عشرين دولاراً، في حين كان أكثر من خمسمئة دولار قبل عشر سنوات. بالطبع سيلجأ كثيرون إلى شماعة الحرب ونهب الثروات السورية خاصة النفط والغاز من قبل الاحتلال الأميركي، وهذا فيه جزء من الصحة، لكن دعونا نرى ماذا كان الوضع الاقتصادي قبل ذلك، للأسف كانت سوريا تعاني من قلة المحروقات وتخضع للتقنين الكهربائي والمائي، وكان الأمن الصحي في أسوأ حالاته رغم وجود المشافي التاريخية العامة التي لم يضف إليها أية مشاف جديدة.

بالتأكيد، لا يوجد تفسير منطقي لما تعانيه سوريا تاريخياً، وهو ينطبق على معظم الكيانات السورية التي ترزح تحت الفساد والفقر بلا مبرر، سوى رداءة الإدارات أو اختراقها من قبل أجهزة مخربة تعمل على الإبقاء على تخلف القطاعات الإنتاجية وخسارتها حتى لا يبقى أمل في هذه البلاد. والمشكلة أن المعالجة معدومة والتوصيف العلمي غائب، والمحاسبة ممنوعة من قبل المستفيدين من نهب الثروات الذين ينطبق عليهم قول المتنبي “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”.

سوريا اليوم تعيش على مساعدات المنظمات الإنسانية، وهذا أمر مسموح دولياً واقليمياً. إنهم يقولون لنا خذوا دفعة من قناني الزيت، لكن لا تنتجوا الزيت. خذوا باخرة نفط تكفيكم مدة شهرين، ولا تفكروا باستعادة آباركم أو من المحتل الاميركي. فالنفط لم يدخل في ميزانية الدولة تاريخياً ولا يعلم عنه المواطن شيئاً. الجميع يريدون لسوريا أن تبقى متسولة على أبواب منظمات الإغاثة وأن يبقى همها الأساسي تأمين لقمة العيش!

0
0

1 Comment

“رغم المخاوف الهائلة.. يتعين على إسرائيل شنّ حرب وقائية ضد أعدائنا” – الفينيق 29 أبريل، 2023 - 1:25 ص

[…] الناصر، الذي تكبّد جيشه خسائر فادحة في الحرب التي خاضتها مصر في اليمن، رأى في الحرب ضد إسرائيل فرصة […]

Post Comment