وصل طائر السنونو إلى بلاد جمّدها الصقيع، ومكث أهلها في البيوت طويلاً ينتظرون انقضاء الشتاء. أخذ يرفرف على النوافذ والبرندات، طالبًا من الناس الخروج إلى الحقول، لأن الربيع على الأبواب. لكن الأهالي سخروا منه وقالوا: انت سنونو واحد ولا يمكنك أن تجلب الربيع! كانوا ينظرون من وراء النوافذ المغبّشة غير مصدقين وجود سنونو في هذا الوقت من العام. البعض اتهمه بالجنون، وقال آخرون إنه سيموت لأنه خالف قوانين الطبيعة وجاء إلى هذه الأرض في ذروة الصقيع. بعضهم قال إن السنونو لاشك استمع إلى نشرات الطقس عبر وسائل الإعلام التي تكذب في كل شيء. حاول السنونو أن يقنعهم بالخروج من المنازل للتأكد من قدوم الربيع فعلاً، لكنهم كانوا يلتصقون بالمواقد ويتلحّفون بالأغطية، مردّدين: يا أخي أنت سنونو واحد ولا يمكنك أن تجلب الربيع!
السنونو أخبرهم بأن الفلاحين بدؤوا بالفعل في حراثة الأرض والاعتناء بالأشجار، وان رائحة الزهر تملأ الأرجاء. لكنهم كانوا يضحكون معتقدين أنه فقد عقله.
طار السنونو باتجاه البساتين، وحمل بعض الزهور والنباتات الخضراء كي يثبت صحة كلامه، لكنهم قالوا إنها غير حقيقية فالزهور لا تنبت في هذا الوقت من السنة. طلب منهم أن يزيحوا طبقات الثلج عن البيوت ليتأكدوا من صحة كلامه دون جدوى. ففي كل مرة كانوا يقولون: أنت سنونو واحد ولا يمكنك أن تجلب الربيع!
عشّش السنونو عند الشبابيك.. تكاثر وكبرت الفراخ ثم طارت. والفلاحون حرثوا الأرض وزرعوها، بينما أولئك البشر يجلسون في البيوت منتظرين انتهاء الصقيع. السنونو لم يفقد الأمل. أخبرهم عن الينابيع التي بدأت تتدفق، وعن الثمار التي تملأ أغصان الأشجار، لكنهم كانوا يسخرون منه موقنين أن لوثةً أصابت هذا السنونو المسكين، حتى جاء إلى هذه الأرض معتقدًا أن الربيع حان!
نضجت سنابل القمح، واستوت عناقيد العنب، وقطف الفلاحون ثمار اللوز والتفاح، وأولئك الناس يحدقون من وراء النوافذ بانتظار أن ينتهي الصقيع. السنونو أخبرهم بأن الوقت أمامهم يكاد ينفد، فقد داهمهم الخريف وربما يعصف بهم الشتاء دون أن يخبئوا مؤونة البرد. لكن بلا فائدة. فالجميع كانوا يؤكدون بأن هذا السنونو فقد صوابه حتى أصبح جاهلاً بالجغرافيا وأحوال المناخ.
انتشرت قصة السنونو في البلدة، واتهمه البعض بأنه ممسوسٌ أو ربما لديه غايات مشبوهة جعلته يروّج للربيع بهذا الحماس. كبار السن أكدوا أنهم لم يسمعوا بسنونو بهذه الجرأة والقدرة على تحمل البرد. وبينما كان الخريف يتقدم ويصبح الهواء رطبًا، كان الناس مشغولين بكيفية الخلاص من هذا الطائر الذي يتغنى بالربيع في عز الشتاء.
ضبّ السنونو حاجاته بعد أن بدأ الجو يتقلب منذرًا بضرورة الرحيل. وحاول للمرة الأخيرة أن يحذر الناس من المأزق الذي ينتظرهم، لكن بلا فائدة.
السنونو الذي قالوا إنه لا يجلب الربيع.. كان يطير بعيدًا، حاملاً الربيع معه! عرفتوا كيف؟