ساءت العلاقة بين سانشو ودون كيشوت، نتيجة هزيمته في جميع المعارك التي خاضها ضد طواحين الهواء. حتى الحمار الذي امتطاه أثناء الكرّ والفرّ، حقد على حصان دون كيشوت، وقال إنه شبيه بالبغال المهجّنة التي لا تفقه في الحرب شيئاً.
فكّر سانشو طويلاً في أفضل أسلوب لاستلام القيادة وتنحية الدُّون الفاشل بالتي هي أحسن! منذ البداية استبعد فكرة الانتخابات، لأن مجموع المقترعين من الأعداء والحلفاء، اخترعهم دون كيشوت بخياله الخصب، وبالتالي لاشكّ سيصوتون لصالحه في هذه المواجهة غير المتوقّعة.
عقد سانشو خلوات سرية مع حماره، استعرضا فيها جميع الخيارات المتاحة. وطلب الحمار استبعاد أسلوب الانقلاب العسكري على الدّون الخرفان، بسبب عدم تكافؤ القوى بينه وبين الحصان من ناحية، وبين سانشو قصير القامة غير الخبير بالحروب ودون كيشوت صاحب الرمح الطويل الذي خاض الكثير من المعارك. الحمار قال: دعنا ندسّ السمّ لدون كيشوت وحصانه في الطعام. لكن سانشو سخر من الجحش وقال: إن مقتل دون كيشوت سيجعلنا عرضة لانتقام كائناته الأسطورية، فنحن لا نمتلك مخيلة تؤهلنا للتحكم بها وتدجينها وفق مصالحنا الشخصية. “هل تعتقد أن المعارك التاريخية مع طواحين الهواء يمكن أن تنتهي وتُدار بمخيلات الحمير؟” هكذا قال سانشو!
نهق جحش سانشو طويلاً، ثم زرع الأرض ذهاباً وإياباً، وهو مطرق الرأس يفكر في مخرجٍ مضمون النتيجة. كما عَصَر سانشو مخّه ورجع إلى تاريخ الانقلابات والدسائس كي يستفيد منها لكن دون جدوى. الحمار قال: دعنا نعلن انشقاقنا عن الدّون وليتبعنا من يشاء من المحاربين. لكن سانشو رفض الفكرة مذكراً الحمار بأن دون كيشوت هو بطل الحكاية التاريخي، ومن الصعب الانقضاض عليه بأسلوب الشقاق!
فكر سانشو في إغواء دون كيشوت بالمال والنساء كي يقعنه بالتقاعد وتسليم القيادة والمخيلة إليه. لكن الدون كان محارباً متمرساً، لا تغويه امرأة ولا يسحر لبّه مال، فهو مشغول بقصص الحروب والانقضاض على طواحين الهواء المتوحشة.
فجأةً، قفز سانشو من مكانه صارخاً: وجدتها.. وجدتها! وكان الحمار يجري خلفه وهو يركض محاولاً معرفة الخطة التي توصل إليها. قال سانشو: إن مشكلتنا مع خيال دون كيشوت وليست معه شخصياً، فإذا سرقنا المخيلة أو تمكنا من إجراء تعديلات عليها، سنرتاح إلى الأبد من معاركه مع طواحين الهواء! أجاب الحمار: أحسنت يا سيدي، فلاشك أن الدون يضع المخيلة في كيسٍ على سرج الحصان، ومن السهل سرقتها في الليل! ردّ سانشو: اصمت أيها الغبي، فالمخيلات لا يمكن وضعها على ظهور الأحصنة داخل الأكياس!
في اليوم التالي، وقبل أن يستيقظ دون كيشوت كي يمضي إلى جولته الجديدة مع الطواحين التي ظهرت في الأفق، ذهب سانشو إلى أكبر طاحونة وأخبرها بتفاصيل الهجوم الذي يعدّه الدون. فرحبت الطاحونة بفكرة سرقة المخيلة أو تعديلها بشكل يتوافق مع شراكتها الجديدة مع سانشو. ثم أعطته دواءً قالت إنه مستورد خصيصاً للمخيلات، وطلبت أن يسقي الدّون منه يومياً.
شرب دون كيشوت الجرعة الأولى مع الشاي الذي أعدّه سانشو قبل الخروج للمعركة، ثم صفن في الأفق قليلاً وطلب من سانشو تأجيل المعركة للغد حتى يدرس الخطة بشكل كافٍ!
في اليوم الثاني، تناول دون كيشوت الجرعة الثانية مع الطعام، ثم أخبر سانشو بأنه يفكر بعقد هدنة مع الطواحين!
في اليوم الثالث، طلب دون كيشوت من سانشو أن ينزل برمحه إلى السوق ليعرضه للبيع، ثم أصدر أمراً بفرز حصانه للعمل في العتالة وحمل الأثقال!
في اليوم الرابع، خلع دون كيشوت ثياب الحرب وطلب من سانشو أن يبيعهم في سوق الألبسة المستعملة!
في اليوم الخامس، أحال دون كيشوت نفسه إلى التقاعد، ثم أصدر أمراً بتعيين سانشو برتبة قائد، والحمار برتبة حصان!
في اليوم السادس، ظهرت في الأفق سنابكُ محاربين أسطوريين مثخنين بالجراح وفي أيديهم سيوف حادة. المحاربون الخرافيون كانوا يتقدمون بسرعة ويسحقون جميع طواحين الهواء.. عرفتوا كيف؟