لا أدري ما الذي دار في ذهن أي من السادة أسعد حردان وحسّان صقر ووائل حسنية ومعن حمية إذ قرأوا خبر القتل الوحشي للشهيد نزار بنات على يد زبانية السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عبّاس. هل شعروا بالغثيان؟ هل شعروا بتبكيت ضمير؟ هل شعروا برعشة في يمنى كل منهم، هل تذكّروا؟ لا ندري. ما نعلمه أن ثلاثة من هؤلاء جلسوا مع محمود عباس في شباط من سنة 2017، وصافحوه بصفتهم عمدا في تنظيم يحمل اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، وتبادلوا وإياه النكت مع رئيسهم آنذاك، علي قانصو، أما الرابع فكان رئيسا للمجلس الأعلى الذي أجاز لهم مثل ذلك اللقاء، أو لم يمنعه.
كلماتي هذه يمكن أن تخدش أحاسيس البعض، ويمكن أن تستثير من جوقة “مش وقتها” نفس الأسطوانة. ولكن دماء الشهيد نزار بنات تطلب منا، فيما نواصل كشفنا لممارسات سلطة “أنطوان لحد فلسطين”، محمود عبّاس، وقفة ناقدة لمواقف قيادات سابقة وحالية فيما تبقى من الحزب السوري القومي الاجتماعي. فأسعد حردان لم يزل رئيسا لمجلسٍ أعلى، في أحد التنظيمين المنشقين أحدهما عن الآخر، يعاونه وائل حسنية الذي رُقِّي إلى مرتبة رئيس، فيما معن حمية لم يزل عميدا للإعلام. أما حسّان صقر فقد رُقِّي إلى عضوية مجلس أعلى ورئاسة مكتب سياسي في التنظيم الآخر.
حين عرفنا بالخبر بعد أشهر من حصول اللقاء سنة 2017، كتبنا مقالين على التوالي على صفحات هذه المجلة. الأول كان بعنوان ولا كلمة. هذا المقال استفز أحدهم، فكتب ردا بَلَغَت به القحة حد اتهامنا بالحقد. فكان المقال التالي بعنوان الحقد، ويمكن لمن يرغب العودة إليهما. أما سبب إثارتنا لهذا الموضوع اليوم، فهو أن أحدا لم يوجه لهم، لا في الماضي، ولا في الحاضر، لحدِّ علمنا، مساءلة، أو استيضاحا. والأهم، أن أيا منهم لم يعتذر عن فعلته تلك.
هل كان هؤلاء على دراية أن عباس سوف يأمر بقتل نزار بنات بعد أربع سنوات؟ طبعا لا. ولكنهم كانوا على علم أنه قد تخلى عن 78% من فلسطين للصهاينة. وكانوا على دراية باعتقال أجهزة عرفات/عباس الأمنية للقائد أحمد سعدات، ناهيك عن عشرات الاغتيالات والاعتقالات الأخرى التي قامت بها سلطة أوسلو ومن قبلها ما يسمى بمنظمة التحرير، بحق المقاومين الفلسطينيين. لقد كانوا على علم أن محمود عباس هو النسخة الفلسطينية لأي من رموز العمالة اللبنانية لإسرائيل، سواء تمثلت في شخص سعد حداد أو بشير الجميل او أنطوان لحد. مع هذا التقوا وإياه، وتضاحكوا وتمازحوا وتمالحوا.
ربما يرى بعض نفر أن كلامنا هو نبش للماضي. لا، إنه كلام للمستقبل. فمن صافح محمود عباس بالأمس، سيصافح من هو أشد سوءا منه في الغد. وطالما أن المحاسبة لم تتم، فالجريمة سوف تتكرر. من هنا نسأل: هل تجرؤ القيادات الحالية في أي من التنظيمين حاملي اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي على مساءلة أسعد حردان ووائل حسنية ومعن حميّة في هذا التنظيم، وحسّان صقر في ذاك، لماذا تم اللقاء، وبأي ثمن، ومن قبضه؟ لا نعتقد. هل لدى أي منهم الجرأة لطلب استقالاتهم. كلا. هل لجمهور المعجبين بهم والشتّامين باسمهم والصامتين عنهم، مساءلتهم؟ لا تفلح البحر. إن نفس عقلية حني الظهر التي تُميز أتباع الإقطاعيين من اللبنانيين تميّز أتباع هؤلاء في تنظيماتهم.
لمن يرى في كلامنا قسوة نقول إن دماء نزار بنات تستصرخ الصدق في وجداننا، والصدق يدفعنا للجرأة طلبا للحساب والتغيير. فإلى ان يكون لنا الجرأة، سيبقى هؤلاء في مراكزهم، يصدرون التصريحات، ويقررون مصير حزب سعاده، مرة تحالفا ومرة انقساما، وهم كالمنشار، يسرقون من عمر هذا الحزب وسمعته متفقين كانوا أو مختلفين.
تنظيف الحركة السورية القومية الاجتماعية من هؤلاء وأمثالهم هو شرط ضروري لم يعد بالإمكان تأخيره.