ذكرى الأول من آذار: أين نحن من فكر صاحب الذكرى؟

Share

ذكرى الأول من آذار. احتفلت بها مرات عديدة منذ كنت شبلا ومن ثم بعد قسمي. وما من ذكرى مرت دون أن أشعر برهبتها وكأني أقف أمام زعيمي وأؤكد له أني ما زلت على العهد. في كل مرة كنت مؤمنة أنها رهبة كل قومي اجتماعي، وتجديد لإيمانه الذي لا يهتز. وفي كل مرة كنت أعتز بنفسي لأني اخترت الفكر الصحيح وأفتخر أني ولدت في أمة معطاءة، وأهنئ نفسي على حزب انتميت إليه ليسمح لي تجسيد فكري في توجه قومي اجتماعي مثالي

تجسيد الفكر…. إنها مهمة كل انسان بشري؛ فكم بالحري بالقومي الاجتماعي الذي من المفترض أنه احترف الوعي فامتاز بالفكر وجسده بالفعل الصحيح.

أسئلة كثيرة أطرحها ويطرحها العديد من القوميين الاجتماعيين ، أهمها أين نحن اليوم من الفكر القومي الاجتماعي؟؟ أو بالأحرى أين هو حزبنا اليوم من الفكر القومي الاجتماعي؟؟ الإجابة على هذا السؤال تحتم علينا عرضا بسيطا وشرحا مقتضبا عن تشابك وتزامن مفهومي الفكر والفعل.

في كل مرة ينوي الانسان فعلا ما، يقوم بشكل تلقائي باللجوء إلى الفكرة التي اطلقت رغبته بالفعل. ويحاول قدر المستطاع أن يقارب بين فعله وفكره. الفكر هو السابق والفعل هو اللاحق. وكلما اقترب فعلنا من فكرنا جاءت النتيجة أقرب إلى المثال. وما من شيء يسبق الفكر إلا الوعي.

أنطون سعادة بدأ بالوعي. وعى وضع أمتنا التاريخي، الثقافي، الحضاري، السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، البشري. وعى كل جزء من مكونات أمتنا فأتى الفكر صحيحا، صادما بقوته، صاطعا باستشرافه، واضحا بأسسه. وعندما جسد فكره بحركة تنهض بالأمة، أتى فعله مثاليا لأنه يتطابق تماما مع فكره.

بكلمة موجزة: الأمة هي الفكر والفعل على السواء. نستند إلى فكرة الأمة لنعمل لصالحها. معضلة هي أليس كذلك؟؟. أن تكون أمتنا هي الأساس في كل تدبير وتوجه ننوي القيام به. ولكي أبسط الفكر أكثر وأكثر سأكتفي بكلمة المجتمع ربما سهل علينا الفعل. فالمجتمع كلمة شاملة لكل شيء، لكل المفاهيم، لكل المكونات، للأرض وللإنسان، للصالح العام للمستقبل الواحد الموحد. المجتمع يشمل التاريخ الواحد، الثقافة الواحدة والتفاعل الموحد.

من هذا المنطلق كان على حزبنا أن يعمل ويجتهد في خدمة المجتمع، احتراما لتاريخه، وتقديرا لمستقبله وحرصا على وحدته.

إنما وبكل أسف تناسى بعض من رفقائنا الفكر فاكتفى باللعب. فرّق بعض من رفقائنا بين الفكر والفعل فتارة يتبجحون على الملأ بفهمهم العقيدة، وتارة ينزلقون في مطبات السياسة العفنة التي تمارَس على أرض أمتنا. تارة يعدون المواطن بالديمقراطية وتارة يتنافسون على لعبة الربح والخسارة. تارة يتباهون بالدفاع عن أرض الوطن فيرسلون رفقاءنا للاستشهاد ومن ثم يتغاضون عن مصير هؤلاء الذي بقوا ودماهم على أكفهم.  وفي أكثر الأحيان يتشدقون بوحدة أمة ومن ثم يسايرون من عمل على الشرذمة. فيستحضرني هنا قول مصري: “اسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أستعجب”.

اللعبة السياسية التي انزلق فيها حزبنا ويتابع مسيرته فيها لعبة سهلة لأن لا قيود عليها. فهي لا تستند إلى أي فكر. وبالتالي يستطيع رفقاؤنا المعنيون بتمثيلنا في كافة المجالات الانتقال من لعبة إلى أخرى دون حساب ولا رادع لأنها لعبة بدون فكر وعقيدة. فلو استند حزبنا في كل مرة إلى الفكر القومي الاجتماعي لما كان بدا اليوم خاطئا شاذا وغير مجد.

أين حزبنا اليوم من فصل الدين عن الدولة؟ وهو يقدم مرشحين حزبيين عقائديين ليمثلوا طوائف دينية

أين حزبنا من التعليم؟ ونحن ندفع الأموال الطائلة لتعليم ابنائنا في المدارس والجامعات الخاصة ولا نعمل في تحسين مدارسنا وجامعاتنا الوطنية.

أين حزبنا من الرعاية الطبية؟ ونحن نرى أهالينا يموتون بدون رعاية طبية غير قادرين على دفع العلاج والأدوية، ونترك المستشفيات الخاصة تستبد بهم وتسلبهم القليل الذي بحوزتهم.

أين حزبنا من الأحوال المدنية؟ والعديد من الأطفال في لبنان بدون هوية لأن شريحة من مجتمعنا لا حقوق لها.

أين حزبنا من حقوق الشاميين؟ ولماذا نعتبرهم لاجئين؟

بعضهم يرد أنه من الصعب تحقيق كل ذلك في إطار حكومات لا تؤمن بإيماننا، فأجيبهم لماذا حتى يومنا هذا ليست لنا حكومات تؤمن بإيماننا؟ الجواب هو الفرق بين الحق والباطل. الحق يصعب تحقيقه لأنه بحاجة إلى جرأة ورباطة جأش وشجاعة. الحق يصعب تحقيقه لأنه يستند إلى قيم ومبادئ. أما الباطل فسهل المنال، يكفي أن تتخلى عن مناقبك وأخلاقك وكل شيء من بعد في متناول اليد. الحق يستند إلى أصل، إلى مرجع، إلى فكر سليم. والباطل حر طليق يعيث في المجتمع فسادا فيزهر في طريقه الموت اشباحا متعددة الألوان والمصادر. أشباح الأرض، أشباح المستقبل، أشباح الحضارة، أشباح التاريخ، وأشباح الهوية. كل شيء يموت مع الباطل. خاصة الفكر.

اليوم يا رفقائي، وأنا أقف على ذكرى ميلاد ذلك الذي تسامى عنده الفعل ليصل إلى مصاف الفكر السليم، ذكرى ذلك الذي عبد لنا الطريق وكفانا عناء التفكير، ينتابني الخوف من نظرة الأسف التي ترسم على محياه، من الحزن الذي يعاني منه لافتقادنا إلى الجرأة والشجاعة، ومن قبضة الغضب التي يرفعها في وجهي لأني تقاعست ويتقاعس الكثير من القوميين الاجتماعيين في ردع كل من عبث في مؤسسات حزبه، كل من تخلى عن مصلحة أمتنا العليا ليلعب بالمصير، بالمواطن، بالتاريخ، وبالهوية.

 إلى اللقاء في ذكرى جديدة، فلرب أزلنا عن أعيننا غشاء الجهل، وكسرنا عن أيدينا قيود التقاعس، وأطلقنا العنان لعقلنا ليقودنا إلى الطريق الصحيح، إلى الفكر.

ولتحيى سوريا وليحيى سعادة.

صوفي نادر

0
0