انتهت عملية القتل التي أودت بحياة الجنرال سليماني والقائد أبو مهدي المهندس ومرافقيهم، والرد عليها، بنوع من التهدئة بين إيران والولايات المتحدة، إذ أعلن كل منهما تحقيق أهدافه الآنية. تستحق هذه اللحظة عملية جرد حساب لنرى انعكاساتها.
الرابح الأول لتاريخه هو العدو الإسرائيلي؛ لقد تخلص من أحد أكبر أعدائه. العملية كانت بدفع منه واللغة المستعملة في الخطاب الأميركي لتبريرها كانت إسرائيلية بامتياز: “يداه ملطختان بدماء آلاف الأبرياء”، “كان هناك خطر داهم”، “كان يحضّر لقتل المزيد من الأبرياء”، إلى ما هنالك. لم يكن هناك من مصلحة ولا حاجة للولايات المتحدة في قتل سليماني. ولكن قتله كان مصلحة وحاجة إسرائيلية، ولا نعتقد أن ثمة حاجة لذكر الأسباب، فتاريخ الرجل واضح.
الرابحَان بعد العدو وبالتعادل، هما نتنياهو وترامب شخصيا. فالاثنان يواجهان مشاكل داخلية تتراوح بين انتخابات قادمة وفضائح فساد. قتل سليماني يعزز حظوظهما في إعادة انتخابهما ويبعد شبح المحاسبة ولو إلى حين. وقد بدأ كل منهما بالعمل على استثمار الحدث على طريقته الخاصة. نتنياهو عبر الطلب إلى وزرائه “عدم التعليق على ما هو صراع أميركي إيراني لا شأن لإسرائيل به”، فيما هو يضغط على شفتيه مبتسما غامزا لجمهوره اليميني. أما ترامب، فسيتابع حملته الانتخابية التي لم تتوقف منذ انتخابه رئيسا، فيتغنى في المهرجانات الحاشدة التي يقيمها لأنصاره من عتاة اليمين الأميركي والعنصريين البيض والصهاينة المسيحيين بقتل أعداء أميركا، واحدا واحدا، من البغدادي إلى سليماني والمهندس.
الخاسر الأول في تقديرنا، لتاريخه، هو إيران. إن إعلان وزير الخارجية الإيرانية السيد جواد ظريف “انتهاء الرد“، سوف يعطي نوعا من التأكيد لقول ترامب إن إيران “تنازلت” أو “تراجعت”. Standing down. بدون هذا الإعلان، كان هناك احتمال أن يبقى الأمر ضبابيا. نعتقد أن الولايات المتحدة قد اختبرت عزم إيران فوجدته ناقصا، وسوف تبني على ذلك، خاصة بوجود الثنائي نتنياهو وترامب.
الخاسر الثاني هو محور المقاومة، وخاصة المقاومة في لبنان وفلسطين. إن قتل سليماني في الشكل الذي حصل فيه، وردُّ الفعل عليه، لهذا التاريخ، يمهد الطريق لعمليات مماثلة ضد قادة مقاومين كبار. والقاعدة الجديدة التي سوف يستخلصها صنّاع القرار في كل من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة هي التالية: إذا كان قتل سليماني والمهندس قد مرّ بهذا الحجم القليل من رد الفعل، فلماذا لا نكمل على الباقين من كبار القادة المقاومين.
ولكن ماذا عن التصريحات التي صدرت عن الجنرال الإيراني “حاجي زاده” حول عدد كبير من الضحايا الأميركيين الذين نقلوا بطائرات إلى مشافٍ في كل من تل أبيب والأردن وبغداد، كما ذكر موقع الميادين؟ وماذا عن قول وزير الخارجية الإيراني إن خطاب ترامب جاء “منفصلا عن الواقع؟”
جوابنا هو، “ربما”.
إن “الواقع” الذي يعيشه الأميركيون مع ترامب هو واقع يستند إلى ما تسميّه إدارته “الحقيقة البديلة”. Alternative Reality. في هذا الواقع، ليس هناك من قتلى ولا جرحى من الأمريكان. في هذا الواقع عين إيران هي التي رمشت أولا. إبّان حرب تحرير الجنوب، كان الفيديو الذي يوثق العمليات ضد العدو الإسرائيلي من أنفع الأسلحة في دحض أكاذيبه ودك معنوياته ومعنويات حلفائه من جيش لحد. لا نعتقد أن مثل هذه الحقيقة غائبة عن مهندسي القرار في إيران. بالتالي، إذا كان ثمة إثبات عن الضحايا الأميركيين، فليعرض.
وبعد، إن جرد الحساب هذا مرتبط بالهدف الاستراتيجي الجديد الذي وضعه محور المقاومة: إخراج القوات الأميركية من غرب آسيا. إنه آني ومفتوح على المتغيرات. فائدته أنه يلقي نظرة باردة موضوعية على ما حصل ويحصل بعيدا عن التمنيات. المتغيرات المؤثرة هي التالية: أن تصل فعلا طائرات الجرحى والقتلى الأمريكان إلى الولايات المتحدة وتنقل وسائل الإعلام الأميركية ذلك؛ أن يقوم محور المقاومة من لبنان إلى اليمن وأفغانستان بواجبه في إخراج الأمريكان من المنطقة؛ أن تقوم حكومة العراق بالاستجابة للمشرعين العراقيين فتطلب رسميا خروج الولايات المتحدة من بلاد الرافدين، أن يُنزل الحشد الشعبي القصاص بمن قتل أحد قادته.
إلى ذلك الحين، نحن ننتظر، ودفتر الحساب مفتوح.
0 Comment
ماذا عن مساهمته المباشرة وغير المباشرة في قتل عشرات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين منهم؟ هنيئا لكم “محور المقاومة” الخاص بكم
🙋♂️ مما لا شك فيه، ان تقييم “الفينيق”للرد الإيراني على جريمة الاغتيال ، هو تقيماً موضوعياً و واقعياً لما حصل على الارض.، و نشاطركم : “الانتظار، وابقاء دفتر الحساب مفتوحاً”.