سار القطيع وراء الثور الكبير باتجاه البحيرة. لكن الطريق طال كثيراً وغابت الشمس ولم يصل الجمْعُ منهلَ الماء.
استبدّ القلق بأبناء القطيع، وشكّك البعض في صوابية الدرب، لكن البقرات المسؤولات عن الحالة المعنوية للقطيع، قمعنَ الاحتجاجات وطالبنَ بالسير دون اعتراض خلف الثور الكبير!
فتك العطش بأبناء القطيع، وخارت قواهم من التعب. العجول الصغيرة لم تعد تقوى على السير، فحملتهم الأمهات على ظهورهنّ ورحن يحدثنهم عن المياه الزرقاء الصافية التي سينعمون بها عند الوصول. كبار السن والمرضى، ماتوا أثناء السير، وتحولوا إلى ولائم للضباع المتربصة بالقطيع من كل جانب.
مضت الساعات الطويلة، ووصل القطيع مرحلة الانهاك، فسقط المزيد من أفراده على الطريق دون أن تلوح شطآن البحيرة المنشودة.
فجأة، توقف الثور الكبير معلناً الوصول ومطالباً أبناء القطيع بتنظيم أدوار الشرب والسباحة.
المياه في المستنقع كانت آسنة ووسخة.. والقطيع يغوص برضا، حالمًا بمياه البحيرة ذات الزرقة الأبدية!
البقرات الصفراوات
كان القطيع يذهب إلى المرعى يوميًا، وبينما ينهمك بالحشّ، تهاجمه الذئاب بشراسة، لكنها لا تفترس سوى بقرات كنّ يحملن علامات صفراء على ظهورهنّ!
مضت الأيام والسنوات، والقطيع يذهب إلى المرعى ويعود من دون البقرات صاحبات العلامات الصفراء.
وكان الثور الكبير بعد انتهاء المعركة واجتماع أفراد القطيع من أجل إحصاء الخسائر، يلقي خطابًا، وسط التصفيق والهتافات، يمجد فيه بطولة البقرات الشهيدات اللواتي تصدينَ بقوة للذئاب المهاجمة، ثم يخصص مكافأة كبيرة من العلف إلى عائلاتهم الثكلى، ويأمر بكتابة أسمائهن في سجل الشرف، ويؤكد أن التضحيات لن تمنع القطيع من الذهاب إلى المرعى بشكل دائم!
افتُرس نصف القطيع ولم يعرف أحد السبب، وفي إحدى الليالي، استيقظت الأبقار على جلبة الثور الكبير وهو يتجول بين أفراد القطيع الغارقين في النوم. الثور الكبير كان يحمل بيده الأولى قائمة أسماء، وفي الثانية سطل دهان أصفر!.. عرفتوا كيف؟