لقد كان جيدا اعتراف إيران أن صاروخا من منظومتها الدفاعية هو الذي أسقط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ. هذا الاعتراف سوف يوفر على عائلات الضحايا الكثير من التعب والإجهاد النفسيين إذ يواجهون أكبر مأساة يواجها الإنسان، خسارة حبيبٍ في ظروف مأساوية كتلك. في الوقت نفسه، سوف يفتح هذا الاعتراف أبواب جهنم على إيران في وقت هي أكثر ما تكون فيه بحاجة إلى أصدقاء وحلفاء.
البارحة، قمنا بجرد حساب سريع لحادث اغتيال الجنرال سليماني والقائد المهندس، والرد الإيراني عليها والتداعيات المحتملة. كان ذلك قبل الاعتراف الإيراني بإسقاط الطائرة. هذا الحدث، سوف يكون له من التداعيات والارتدادات الكبرى ما سوف يشكل تحديا وجوديا للنظام الإيراني القائم، كما سنبين أدناه.
العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة والغرب من ورائهما سوف يقولون إن النظام الإيراني هو نظام “غير كُفئ” ويهدد، ليس فقط السلام العالمي، بل حياة المواطنين الإيرانيين أنفسهم. وسوف يعزز هذا الحادث من محاولات تقييد إيران نوويا، وبنفس الذريعة: “إذا كانت إيران لا تملك الكفاءة لإدارة صاروخ مضاد للطائرات، فكيف سنثق بها في إدارة سلاح نووي!”
ولن نفاجأ إذا غير الرئيس ترامب خطابه من أنه “لا يريد تغيير النظام” إلى القول، “لا بد من تغيير النظام.” وهذا سوف يعطي إشارة لخصوم النظام داخل إيران لتحرك يربكه ويشتت قواه بغض النظر عمّا إذا كان سيتمكن من إسقاطه أم لا. هذا ناهيك عن انشغال الدولة الإيرانية بمسألة التعويض عن ضحايا إسقاط الطائرة والمليارات التي سيكلفها هذا في دعاوى قضائية ستقوم ضدها في عواصم العالم.
سوف ينتقل نتنياهو من عض الشفتين والغمز حول مسؤوليته عن دفع الولايات المتحدة لاغتيال سليماني والمهندس إلى نفخ الصدر والقرع عليه بقبضات اليدين. سوف يقول لخصومه في الكيان العدو إنه هو وحده القادر على التأثير في القرار الأميركي، وتفضلوا النتائج التي حصدناها. هذا سوف يعزز من حظوظه في العودة لرئاسة حكومة العدو في الانتخابات القادمة. كذلك ترامب ومؤيدوه، سوف يقولون للشعب الأميركي وللعالم كله إن ما قام به ترامب هو عين الصواب ولا يجب تقييد يديه كما يطلب الحزب الديموقراطي الذي صوّت على ذلك في الكونغرس حيث يملك الأكثرية وحيث سيقوم الجمهوريّون بنقض هذا القرار في مجلس الشيوخ حيث الأكثرية لهم. ترامب، الذي قال مؤخرا “إنه يحب الالتزام بالقانون” عوضا من القول إنه “يلتزم” به، سوف يقول الآن، “بالرغم من أنني أحب الالتزام بالقانون هناك عوامل قاهرة – كحادث إسقاط الطائرة – تمنعني. وسوف يؤيده في هذا قسم كبير من الأميركيين. إننا نضيف الآن الحزب الديموقراطي وحظوظه في الانتخابات الأميركية القادمة إلى قائمة المتضررين من عملية الاغتيال ومن حادث إسقاط الطائرة.
محور المقاومة خاصة في العراق لبنان والشام وفلسطين سوف يتأذى هو الآخر. في العراق، لم يكن هناك إجماع على طلب البرلمان العراقي مغادرة القوات الأجنبية الأراضي العراقية. في الواقع أن وصف موقع البرلمان العراقي لنتيجة التصويت غير دقيق. فالوصف يقول، “وصوّت المجلس بالإجماع”، ولكن التصويت كان بإجماع “الحاضرين” في المجلس وليس بإجماع المجلس. فقد حضر الجلسة مائة واثنين وسبعين نائبا (172) من أصل ثلاثمائة وتسعة وعشرين (329) فيما تغيّب الأكراد ومعظم النوّاب السنة. من هنا يأتي قول ترامب في مقابلة مع فوكس نيوز، “إن ما يقوله العراقيون علنا هو غير ما يقولونه لنا.” أما الشام فإنها سوف تتأثر حكما بأي وهن يصيب حليفها الأساس في المنطقة، والأمر نفسه ينطبق على المقاومة في لبنان.
إن محوّر المقاومة الذي كان يجب أن يكون في موقع الاستعداد لوضع استراتيجيته الجديدة “إخراج الأميركيين من غرب آسيا” موضع التنفيذ سوف يجد نفسه الآن في موقع الدفاع عن النفس في وجه فائض قوة متجدد لدى المحور الأميركي – الإسرائيلي وحلفائه في المنطقة.
“خطأ غير مقصود”. ثلاث كلمات سيكون لها الكثير من الارتدادات التاريخية.