إذا أردتَ أن تعرف كيف يكون اللاموقف في ظرف استثنائي يتطلب الموقف، وإذا أردت أن ترى بأمّ العين التهرب من قول كلمة الحق بالتلطي خلف كلمات مطاطة لا قيمة لها، وإذا أردت كشف اللثام عن النفاق الذي يتذاكى بالشعارات… فإنه يكفيك قراءة البيان الذي أصدرته حركة “حماس” تعليقًا على زيارة الرئيس الصهيوني يتسحاق هرتسوغ إلى تركيا.
وحسب البيان الذي وزعته وكالات الأنباء العربية، أكدت “حماس” موقفها الرافض لزيارة “المسؤولين الإسرائيليين” إلى الدول العربية والإسلامية. وقالت إنها “تابعت بقلقٍ بالغ زيارات مسؤولي وقادة الكيان الصهيوني لعددٍ من الدّول العربية والإسلامية، وآخرها زيارات رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هرتسوغ لعددٍ من دول المنطقة”.
وعبّرت “حماس” عن أسفها من الزيارات التي يجريها “مسؤولون إسرائيليون” إلى الدول العربية والإسلامية، ودعت إلى “عدم إتاحة الفرصة للكيان الصهيوني لاختراق المنطقة والعبث بمصالح شعوبها”.
وأكدت الحركة على “موقفها المبدئي برفض أشكال التواصل كافة مع عدوّنا الذي ينتهك حرماتنا، ويدنّس ويهوّد القدس والأقصى، ويواصل حصاره وعدوانه على أهلنا في قطاع غزَّة، ويواصل اعتقال الآلاف من الأسرى، ويقتل أطفالنا، ويهدم بيوتنا، ويشرّد شعبنا”.
وختمت بالدعوة “إلى مزيد من التلاحم والتكاتف مع شعبنا الفلسطيني، وتعزيز صموده باعتباره القلعة الأولى في الدّفاع عن قبلة المسلمين الأولى وعن مصالح أمَّتنا، التي تتناقض حتمًا مع مصالح الكيان الصهيوني الغاصب”.
بعد قراءة البيان، يحق للمرء أن يتساءل: من المقصود بهذه العبارات الفضفاضة؟ هل زار هرتسوغ كوكبًا في درب المجرّة لم تُحدد هويته بعد فعجز إعلام “حماس” عن نطق اسم الدولة التي رحبّت به؟ ولماذا لم يرد ذكر تركيا أو رئيسها رجب طيب أردوغان لا بالحلال ولا بالحرام؟ وكيف تفتق الذكاء الإعلامي عن فكرة التعميم بهدف التضليل، فتتم إدانة “الكل” من أجل حماية “الواحد”!
من الطبيعي أن تتجنب “حماس” انتقاد تركيا، لأنها محكومة بالهيمنة التنظيمية لجماعة “الإخوان المسلمين”. وليست هذه المرّة الأولى التي تعطي “حماس” أولويتها المطلقة للتعصب الإيديولوجي على حساب المصالح الوطنية والقومية. ونحن لم ننسَ بعد مواقفها على الساحة الشامية، ودمشق نفسها لم تسامح حتى الآن!
الذين يساعدون الاحتلال التركي في الشمال السوري هم، بغالبيتهم، من “الإخوان المسلمين”. والمرتزقة الذين يقاتلون لصالح تركيا في ليبيا هم من الجماعة نفسها. وإذا ما استدعت مصالح تركيا الأطلسية ـ الإسلامية القتال في أوكرانيا (مثلاً)، فستنصب هذه الجماعة بيرق “الجهاد” حيث يؤشر أردوغان!
إنها الأداة ذاتها والمشغّل ذاته. وفي ظل مثل هذه المعادلة العرجاء، لا يمكن للتابع أن يرفع السقف أو يُعلي الصوت… وما كانت “حماس” في وضع يسمح لها أن تصدر إلا مثل هذا البيان الكاشف عن المستور.
تُقيم “حماس” علاقات وثيقة مع إيران و”حزب الله” وبعض القوى الوطنية في لبنان. ومنذ مدة يحاول “الحلفاء” تدوير الزوايا بين الواقع “الإخواني” من جهة والهدف المُرتجى من جهة أخرى. لقد أصبحت الكرة في ملعب “الحلفاء”، ما يستدعي إعادة النظر في مدى مصداقية العلاقات القائمة بينهم. وربما يحدث في بعض الأحيان ما يبرر قاعدة “أن الضرورات تبيح المحظورات”، ويتم تقبلها على مضض… لكن ليس في الشؤون القومية على الإطلاق.
الأطماع التركية في بلادنا موثقة على أكثر من صعيد، ولا ينكرها إلا الجاهل أو المرتبط. من الطورانية الأتاتوركية إلى الإسلاموية الأردوغانية، يتبدل القناع لكنه لا يغيّر شيئاً في شهية الذئب الأغبر.