كيف حالك؟
تمنيت ألاّ تسألني هذا السؤال، فأنا لا أعرف بماذا اجيب! ربما حالي كحال الدائرة التي تدور في العجلات فتوصل كل من يمتطيها؛ وربما كمربع تصلبت زواياه عند نهاية كل عقدٍ مضى؛ وربما مثلث صقلت زواياه من حفيف العواصف المتواصلة، هل تعرف؟ ربما حالي شاحب اللون، يخبو يوماً بعد يوم منذ عرف أن الشمس ستطفأ لا محال وستتحول إلى كوكب منكمش. أشعر أحياناً أنني جواب يبحث عن سؤال، وأنبش كل يوم في جعبتي علّني أجد ضالتي فيها، لأني كما تعرف، أملك فيضاً من الأسئلة التي لا إجابات واضحة لها، وكأنني حبيسة كتاب قيد الإنشاء وفيه طلبات توصيلٍ بين صورة وكلمة، أقصد تجربة ونتيجة! آه كم هو صعبٌ هذا السؤال! كيف حالي؟ لا أعرف… حقاً لا أعرف من لحظة تخلي “إيلي” عني وأنا أسأل ذات السؤال، أسأله للمسامير التي دقها الزمن في روحي، سألته لإكليل الشوك الذي وضعته أمي المنتحبة على أحلامي! يا إلهي إنني سليلة ضحايا، أحاول خلع تلك المكتسبات بلا جدوى، وربما كلنا ضحايا ومن فاز هو من وضع مكتسباته في حقيبةٍ جلدية راقية، بلون الجلد الطبيعي، ورائحة العنبر، لتذكره بمجده حين خرج من جحيمه الخاص.
لماذا كل هذا الكلام؟ أنا اشتقتك وصار هذا الشوق يؤلمني، يحتاج أن يتنفس الصعداء، أن يرى وجهك ويلفه بيديه العاشقتين، لنعود إلى حيث بدأنا، محملين بحزنٍ وفرحٍ مكثفين، يكادا يشبها العسل الجبلي، المجموع من رحيق مرتفع المسكن، حيث الهواء مختلف، ليس كهواء المدن متسارعة الوتيرة، منهكة الروح، هواء جُمع من نسمات الربيع الواعدة بانقلاب المحال إلى أفضل حال.
ما بالي أتفوه بما يشبه الهذيان! ربما هي زوائد الورق من بقايا شمس مقصوصة على كرتون ذهبي اللون، وربما ناريّ الهوى….
ماذا توقعت مني حين سألتني؟ أن أتذمر من فقدان الكهرباء وغلاء الأسعار؟ مللت المعتاد، لم أعد أطيق الأحاديث المقلّدة كل يوم، صار فقدان الكهرباء يخلق جدولي الزمني، وصار غلاء الأسعار يمنحني هامشاً كبيراً للتغيير والإبداع. هامشاً توحش على معظم صفحاتي، صرت أعرف كيف أحذف واستبدل بسهولةٍ تشبه التنفس اللاإرادي. عمّاذا تريدني أن أتحدث؟ عن فرص عملٍ تلوح في الأفق كالسراب، كلما اقتربت من إحداها تراءى لي وحشٌ ينهش أكتافي العريضة، ويقف على رأس أنفي، ليرغمني على تنفس القلق لحظة بلحظة…! تعبت الآن من الكلام، واحتاج فسحةً من الرقص، أحتاج فستاناً منسوجاً من الوعود الوردية، أرتديه وأبدأ التوهان، أرفع يدين ترنوان للسماء، وعينين معلقتين بحلم! الأحلام! لم أخبرك ماذا حلمت ليلة البارحة، لقد رأيت نفسي خضراء خصيبة، تلفحني شمس لا تغيب عني، ولقد أسموني باب الشمس في الحلم، وأخبروني أن غياب الشمس عني لا يعني الغياب بمعناه المعروف، بل هو غيابي أنا عنها لعدة قرون، وكنت وافرة وغنيّة العقل والفكر، وجسدي مليء بالموارد. آه كم كان جميلاً ذلك الحلم، لولا انقضّت عليّ ثلة من الضباع، ونهشت تمثال أسد اللات. أتصدق ذلك؟ أنّى لهم أن يتوحشوا على أمةٍ أهدت العالم أساس الحضارة وحجر أساسها. أكاد لا أصدق كيف نقلني هذا الحلم من جمالٍ إلى رعبٍ، وبعدها غرقت في أملٍ عميق. نعم، نعم، أمل… كان بحراً وكنت أتنفس بشكلٍ طبيعي، رأيت الحياة في أبهى حلةٍ لها، كان كل شيء جميلاً ومنظماً، كل المخلوقات تعمل بجدٍ وتعاونٍ مدهشين، فهمت حينها لماذا استطعت التنفس وأنا غارقة، لأن الأمل عمل، والعمل بناء وسمو، ولا يمكن أن تجد أجمل من هكذا غرق..