تتسارع الأحداث بعد مقابلة الرئيس عون التلفزيونية وتنتقل البلاد من خطر إلى خطر أكبر مع سقوط ضحايا من المدنيين. لقد قيل الكثير في حوار الرئيس عون، ولكن هناك عبارة مرت بسرعة بودنا التوقف عندها، خاصة وأن السيد حسن نصرالله كان قد سبقه إلى عبارة مماثلة لها منذ أيام.
أما السيد حسن نصرالله فقال في خطابه بمناسبة يوم الشهيد: “هناك نقاط خلافية حتى بين المتظاهرين أنفسهم، مثلاً مطلب إلغاء الطائفية السياسية ليس معلوما إن كان مطلب الجميع؟ مطلب قانون انتخابي قائم على لبنان دائرة واحدة وعلى أساس نسبي سواءً داخل القيد الطائفي، ليس معلوماً ان كان مطلب الكل، أو خارج القيد الطائفي أكثر أيضا ليس معلوماً أنه مطلب الكل.”
إذا، بالنسبة لعون ونصرالله، المدعومين من أكبر كتلتين نيابيتين في البرلمان اللبناني، ليست الحقوق هي حقوق الناس الأساسية، بل هي حقوق الطوائف. فما هي حقوق الطوائف؟ بل من هي الطوائف؟
تقوم الطوائف في لبنان على ثلاثة أعمدة: رجال الدين والإقطاع السياسي والرعيّة. في النظام الطائفي، يقوم الإقطاع السياسي بنهب الرعيّة بمباركة رجال الدين. هذه هي قاعدة النظام اللبناني الذهبية. والمطلوب من الرعيّة دائما، خدمة الناهب برموش عينيه وتقبيل يد رجل الدين وتبجيله، وحمل الاثنين معا على ظهره بل والموت في سبيلهما.
إنها لعمري تجارة ولا أربح يستفيد منها الطرفان الأولان ويدفع ثمنها دائما الطرف الثالث، الشعب.
هل حقوق الطوائف ثابتة؟ كلا. إنها تعتمد على فائض القوة التي تمنحها إياها قوة خارجية في لحظة ما. الطبقة السياسية/الاكليركية المارونية فتحت الحرب في لبنان سنة 1975 دفاعا عن “حقوقها”. في لحظة ما، كان لديها فائض قوة خارجية مستند إلى دعم إسرائيلي وأميركي أهّلها لأن تأتي بأعتى جزاريها، بشير الجميل، رئيسا. قُتل بشيرٌ. تغيرت المعطيات الدولية. انتهت الحرب. فإذا بـ “حقوق الطائفة المارونية” تتقلص في اتفاق الطائف لصالح “حقوق طوائف” القوى التي ظهر أنها خرجت منتصرة من الحرب.
إن اتفاق الطائف في حقيقته هو اتفاق مرحلي يلزم إتلاف الطوائف المسيحية خفض مستوى “حقوقها” إلى 50% ويرفع مستوى “حقوق” الطوائف المحمدية إلى 50%. ولكن في نظام التكاذب اللبناني، الكل يعرف أن هذه الحقوق مؤقتة بانتظار فائض قوة ما، تهديه قوة خارجية ما، يعيد ترتيب الحقوق وتراتبيتها.
إذا كان هناك من يشك لحظة في أية كلمة كتبناها هنا فليعد إلى مذكرات إسكندر رياشي المنشورة في كتابين هما “رؤساء لبنان كما عرفتهم”، و”قبل وبعد”، ليعرف مدى بشاعة هذه التركيبة المجرمة التي اسمها “الشراكة اللبنانية” التي تقدس “العيش المشترك”، وتدافع عن “حقوق الطوائف” على حساب حقوق الناس.
هذه هي حقوق الطوائف عارية. وهذه هي الحقوق التي ثار الشعب في لبنان ضدها، مطالبا بحقه الحقيقي حق الحياة الحرة الكريمة في مجتمع عادل أمام قانون مدني يتساوى فيه الجميع دون خوف ولا منّة.
طالما ان الرئيس عون والسيد نصرالله، وهذان يعتبران متقدمان في تفهم أوجاع الناس، يتكلمان عن حقوق الطوائف، فإنهما بعيدان جدا عن حق الشعب اللبناني وفهم واقع حاله والمرحلة التي قطعها.
0 Comment
[…] الدكتور دياب، فإنه يعيدنا إلى ما سبق ونشرناه عن “حقوق الطوائف” وفائض القوة التي تمنحها إياها القوى الخارجية، أو […]
النظام الطائفي في لبنان يكرس نفسه: مؤبداً.
حتى الأحزاب العلمانية منضوية فيه وتتحاصص عبره