جيل يضيء الشمس إن انطفأت

Share

في كل مرة أستمع إلى مسرحية المحطة أضحك مع فيروز قائلة: لا لا غلطان!! هيدا كاااان رجّال وصار خيال صحرا!!! شخصية الرجل الذي تحول إلى خيال صحراء، متجولاً من مكان لآخر باحثاً عن رزقه والتقاط عيشه العشوائي. هي المسرحية التي بقيت في ذاكرتنا وأرواحنا وعشنا تفاصيلها في الخيال ثم في الواقع. حدثتنا عن قطار الشمال الذي يحملنا إلى الدنيا السعيدة والخلاص!! ألا يشبه قطار الخلاص كسر جدران العلب والعزلة في أغنية Another Brick in the Wall. تلك الأغنية الصادمة لحقيقة من نحن، نتاج نظام تعليمي تعليبي يحشو الأدمغة بما يريده لإنتاج مكنات بشرية فعالة. ألا يشبه هذا الخلاص بحثنا عن الهدوء والسكينة في قرية صغيرة نائية نعيش فيها النقاء الطبيعي وصفاء الانسان وراحة باله؟

ربما شاهدت كل ما سبق أو عشته، وربما لا. ولكنك بالتأكيد تحيا تلك الأسئلة التي تتراكم في أرواحنا وعقولنا وتصطدم دون جواب. عن ماذا أتحدث بالضبط؟ هل عن التعليم أم التعليب أم عن قتل الأرواح قبل الأجساد؟ فكلنا نكره القيود والبيوت الضيقة والعلاقات المشوّهة، ولكننا جميعاً مأسورين، وبنظر البعض، مستعبدين لهذه القيود والعلاقات المشوّهة.

هي قصتي مع هذه الأماكن وتلك الموسيقى. فمشاهد أغنية the wall كانت وما زالت قادرة على دعوتنا لإعادة النظر في وجودنا وحياتنا. لا أنسى مشاهدتي الأولى لمقاطع تصويرية من هذه الأغنية الشهيرة والتي كاد لتلك الشابة فهم معانيها للوهلة الأولى! ومازال حنيني لزيارة تدمر والكوم واللقاء مع شمس وهواء وتراب بلاد لم نعرف كامل وجوهها، لأعيش فيه نظام حياة بدائي، أستيقظ فيه مع بزوغ الفجر وشمسه وأنام بعد غيابها بقليل، في زيارة يكون لها فعل الاستيقاظ والإيقاظ والصدمة لسؤال من نحن؟

ماذا فعل القرن الواحد والعشرون بأرواحنا؟ أهذه الحروب كلها لتحصد أجساد السوريين أم لتحصد أرواحهم وبريق عيونهم وعنفوانهم؟ أكاد أجزم أنها الثانية. الروح هي صميم المسألة وهدفها، وإلا لما كان الصحافي الفلسطيني الدحدوح مثال الإنسان الذي يتجاوز منظومة إعلامية عالمية بعنفوانه وثقته وإنسانيته!

ولكن أسفنا الكامل أن مدارسنا وتلفازنا ومهرجاناتنا وحياتنا اليومية بتفاصيلها كاملة تريد قتل أرواحنا فتبقي على هذه الأجساد سائرة كخيالات صحراء مسرحية فيروز. ونبقى جميعاً بانتظار قطار الخلاص منقذنا جميعاً!  ولكننا نحيا في كل مرة نشاهد أو نسمع عملاً فنياً أو موسيقياً حقيقياً أو نترقب أخبار الدحدوح أو نقرأ إنجازات سوريين حلقوا بإبداعهم فوق السحب!

آه من ذاكرتي! نعم! ولكن البعض كفيروز المحطة لن يتحولوا لخيالات صحراء، فقطار خلاصهم هو الإبداع. الإبداع الذي يتجاوز ويحل مشاكل حياتنا اليومية يبقى وسيبقى منذ عصور ما قبل التاريخ النفس الأول والأخير للإنسان.. دعوا أطفالكم يبدعون، فيحلقون نحو الشمس وأعلى. الشمس التي انطفأت في بداية القصة التي كتبها ورد الطفل ذو السبع سنوات في تدريب الكتابة الإبداعية وعندما سألته: “ورد وكيف انطفأت الشمس هل هذا معقول؟ كيف ستجد الحل؟” فرد ورد بعفوية طفولته قائلا، “هيك، ما بعرف شو صار، بس البطل ورد رح يلاقي طريقة ويرجع يخلي الشمس تشعل منشان تضل الأرض مبسوطة ونلعب أنا ورفقاتي.” وفعلا أعاد النار للشمس في نهاية قصته.

ورد الذي شخّصه الأطباء بحالة فرط نشاط وصعوبات تعلم، كان قادراً على الجلوس لساعة كاملة لكتابة قصته وحل مشكلة الشمس. تكثر الأمثلة إن أردنا الحديث عن تربية وتعليم الأطفال واليافعين والشباب. ولكل منا خلطته السحرية وأسلوبه. نكون قد أدينا المهمة إن فتحنا بعض الأبواب ليروا رحابة الأفق وإمكانية الإبداع دون حدود. وبكل تأكيد سينطلقون كل بشمسه ومفاتيحه الخاصة. ولن نتمكن من اللحاق بهم مهما حاولنا.

0
0