جدّك قتل جدّي!

Share

تأخذ الأزمة الإسرائيلية المتدحرجة بعدًا جديدًا بعد قرار المحكمة العليا في كيان الاحتلال، إبطال توزير آريه درعي كونه مدانًا بجرم التهرب الضريبي. ففي كلمة ألقاها أمام بيت درعي، يقول أبشالوم أوهايون، المقرب من الوزير درعي، “عشرة قضاة من الأشكنازيم البيض الذين قتلوا أجدادنا”، في إشارة إلى ان عشرة قضاة من أصل أحد عشر قاضيًا في المحكمة العليا – كلهم أشكنازيم، أي يهود غربيون – هم الذين اتخذوا القرار، في حين رفضه جزئيًا القاضي الحادي عشر والذي ينتمي إلى طائفة الصفارديم أي اليهود المتحدرين من شبه الجزيرة الأيبيرية في العصور الوسطى.

لم يوضح أوهايون ما يقصده بقوله “الاشكنازيم البيض الذين قتلوا أجدادنا”. ولكن الاختلافات بين الطائفتين والتي تعود إلى آكثر من ألف سنة، ظهرت في دولة الاحتلال منذ تأسيسها، وتفاقمت على أكثر من صعيد. فالأشكنازيم أكثر ثراءً ونفوذًا في الدولة وينظرون إلى الصفارديم نظرة دونية. في الانتخابات ما قبل الأخيرة، وفي محاولة منه لكسب أصوات اليهود الروسيين وإبعادهم عن حزب الليكود، قال يائير لابيد إن حزب الليكود قد أصبح “حزب الصفارديم”، ما اعتُبر بمثابة سبّة ضدهم انعكست سلبًا عليه وعلى حزبه فتراجع عنها.

إسرائيل ما بعد قرار المحكمة، ليست كما قبله. إن الشقوق التي تتسع بسرعة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة تتجاوز الخلافات السياسية بين اليمين واليسار إلى الخلافات العرقية والطائفية والمالية بين اليهود أنفسهم، كما تشير كلمة أوهايون أعلاه. هذه الشقوق، بنظر البعض، تهدد إسرائيل وجوديًا ما يدفع بعدد من الشخصيات اليهودية وغير اليهودية لطلب مساعدة من أجل “تخليص إسرائيل من نفسها”. أبرز هؤلاء كان توماس فريدمان في مقال نشرته له صحيفة نيويورك تايمز يطلب فيها من الرئيس بايدن “تخليص إسرائيل”. وكان سبق ذلك مقال في الصحيفة نفسها يحذر من الخطر على “الديموقراطية الإسرائيلية.”

مباشرة بعد قرار المحكمة، طلبت المدعي العام الإسرائيلي غالي مهاراف – ميارا من نتنياهو أن يطرد درعي من حكومته، ولم يتأخر نتنياهو في الاستجابة لهذا القرار، إذ أقدم على عزل درعي بالفعل. ومع أن الخضوع لقرار المحكمة قد يضعف ائتلافه، إلا أنه لن يفجره. قرار المحكمة يؤكد نظرة الحكومة أنه يجب قصّ أظافر السلطة القضائية عبر تشريعات جديدة تجيز للكنيست تجاوز قراراتها بأكثرية عادية. هذه التشريعات تحت مسمى “الإصلاح القضائي”، هي التي تدفع اليهود الأميركيين تحديدًا لرفع الصوت ومطالبة بايدن بإنقاذ إسرائيل. فغالبية اليهود الأميركيين هم أشكنازيم، ويقدر عددهم ما بين الخمسة والستة ملايين من أصل حوالي السبعة إلى ثمانية مليون يهودي أميركي، يليهم الصفارديم، وهم في حدود الثلاثمائة ألف. بين اليهود الاشكنازيم، هناك حوالي المليونين تقريبًا ممن يتبعون الطقس المحافظ، أو الإصلاحي. والطقسان غير مقبولين لدى اليهود الأرثوذكس في إسرائيل. من هنا يخشى اليهود الأميركيون تشريعات كهذه تُدخل إسرائيل في نفق الدولة المحكومة وفق الشريعة الأورثوذكسية، وتضعف اليهود المحافظين والإصلاحيين.

لا يجوز أن نفهم من هذا الكلام أن نهاية إسرائيل وشيكة، فدون هذا معطيات وعوامل شتى. ما يمكن استنتاجه هو أن الشقوق والفوالق داخل “المجتمع الإسرائيلي” تتزايد، ما يدفع عددًا من السياسيين الإسرائيليين، وفي طليعتهم رئيس الدولة، هرتزوغ، لطلب التهدئة، ويدفع بعض اليهود الأميركيين لطلب تدخل الإدارة الأميركية من أجل ليس فقط، إنقاذ إسرائيل من نفسها، بل حماية للمصالح الأميركية كما يقول فريدمان في مقالته المشار إليها أعلاه.

حماية المصالح الأميركية؟ نعم. يقول فرديمان، “إن إسرائيل التي يعرفها بايدن تختفي، ويحل محلها إسرائيل جديدة. في هذه الحكومة، هناك عدد من الوزراء المعادين للقيم الأميركية… بايدن هو الشخص الوحيد القادر على منع نتنياهو من تحويل إسرائيل إلى قلعة للتعصب المعادي لليبرالية.” ولكن هل يكفي هذا لكي تهدد إسرائيل المصالح الأميركية؟ كلا. لهذا يلمح فريدمان بعد عدد من المقاطع بالقول، “لقد منحت الولايات المتحدة إسرائيل كمية هائلة من المساعدات الاقتصادية بالإضافة إلى معلومات استخبارية حساسة وأسلحة فائقة التطور. إنها المعلومات الاستخبارية الحساسة والأسلحة فائقة التطور التي، إذا وقعت في “أيدي المتعصبين المعادين للقيم الأميركية،” تصبح أداة تهديد للمصالح الأميركية.

ماذا عن الموقف الأميركي من كل هذا؟ بين بايدن ونتنياهو علاقة قديمة وملتبسة. بايدن يصرّح دائما أنه صهيوني. ولكن في الوقت نفسه لا نخاله ينسى ما قام به نتنياهو حين فرض نفسه خطيبًا في الكونغرس، موجهًا النقد لإدارة أوباما وسط تصفيق الجمهوريين. ولكن ما يحكم العلاقة الأميركية الإسرائيلية، لا يُبنى على العلاقات الشخصية، بل على المصالح، مصلحة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ودور إسرائيل فيها، والمنافسة بين الجمهوريين والديموقراطيين في خطب ود منظمات المؤسسة الإسرائيلية في الولايات المتحدة والتسابق على الظهور بمظهر صديق إسرائيل الأعظم.

لهذه اللحظة، المصالح متقاطعة ومتشابكة على المستويين، ولكنها عرضة للتغير السريع بناء على تغيّر جذري في أي منهما.

0
0