ثقافة الارتجال

Share

في بحث ينشر في هذا العدد من الفينيق تحت عنوان “العوامل الخفية في وجهة سير المنظمات، الجزء الأول“، هناك إشارة إلى “ثقافة المؤسسة”، أي العادات والتقاليد التي تسود مؤسسة ما، والتي هي نتيجة تراكم موروثات من الماضي تستمر طالما انها تخدم أغراض المؤسسة. المؤسسات التي تعي مصلحتها، تقوم بعملية تقييم دورية لثقافتها، او لنواح معينة فيها لترى ما إذا كانت لا تزال تخدم المؤسسة أو قد أصبحت عبئا عليها وعلى أهدافها. أما المؤسسات التي لا تعي مصلحتها فإن من عوامل انهيارها، تمسكها بعادات وتقاليد، ليست فقط غير ذي جدوى بالنسبة لأهدافها، بل هي عادات وتقاليد مضرة تقود في أغلب الحالات الى الانهيار. من هذه العادات، الارتجال.

للارتجال معان لغوية عدة، منها ارتجال الخطبة أو الشعر أو التحدث الشفوي من الذاكرة. ما يعنينا اليوم هو المعنى القاموسي التالي، الارتجال: “الفَوْضَى فِي العَمَلِ بِلاَ اسْتِعْدَادٍ وَلاَ تَحْضِيرٍ.” (معجم المعاني). وبودنا ان نعرض اليوم الى هذه الظاهرة في الحزب السوري القومي الاجتماعي – بكل تنظيماته – والمعارضات القائمة كذلك.

إن ما ميّز قيادة سعادة لحزبه هو عدم الارتجال. بل التخطيط والاستعداد والتحضير. منذ البدايات كان لدى سعاده رؤية – نظرة عالية – لترقية الحياة السورية والحياة الإنسانية في شكل عام. غير ان النظرة وحدها لا تكفي لتغيير الحياة. إنها بحاجة إلى آليات تنفيذية، فكان تأسيس الحزب، وكانت العقيدة، وكانت الغاية، وكان الدستور، وكانت المؤسسات، وكانت الخطط العملية في كل عمل قام به هذا القائد الفذّ، مع تحفّظ وحيد حيال ما جرى في ثورة الثامن من تموز، نذكره ولا ندخل في تفاصيله الآن.

كثيرة هي الأمثلة التي يمكننا أن نستوحيها في هذا المجال من تاريخ قيادة سعاده للحزب. خذ مثلا، الأيام الثلاثة الكبرى، صافيتا وعماطور وبكفيا. كان هناك قصدٌ: نشر فكر الحزب ومواقفه وتحدي الفرنسيين في عقر دار حلفائهم الاقطاعيين في الساحل السوري، وفي جبل لبنان. فكان هناك تخطيط: ضربات سريعة متلاحقة، ثلاثة مهرجانات في ثلاثة أشهر. وكان هناك استخبارات واستعلام عن الخصوم في مناطقهم، وكان هناك حشود حزبية تنتقل من جميع المناطق الى المنطقة المعين فيها المهرجان. وكان هناك خطط احترازية. في يوم عمّاطور مثلا: كان هناك معرفة ان الدرك سيحاول منع المهرجان كي لا يزعج خاطر “المختارة”، فقام فريق من القوميين بتطويق فرقة الدرك الى حين انتهاء المهرجان. كذلك الأمر في مواجهات بكفيا. هكذا كانت قيادة سعادة. رؤية واضحة، تعيين للأهداف، دراسة متطلبات النجاح، تأمينها، ومن ثم التنفيذ.

ما ميّز معظم القيادات التي توالت على قيادة الحزب أثناء غياب سعادة ومن ثم بعد استشهاده هو الارتجال. ارتجال في المواقف السياسة دفع الحزب ثمنه من عقيدته وغايته وعرق أعضائه ودمائهم. الواقع اللبناني والسياسات اليمينة في الخمسينات انتهاء بكارثة المالكي والانقلاب الفاشل في لبنان. كذلك الأمر بالنسبة للواقع اليساري، والعروبي، والفلسطيني، والآن الواقع الكياني في الشام. كل هذا  مرتبط باستسهال القيادات لمواقف سياسية حتى ولو كانت مخالفة لغاية الحزب، وتخرجه عن محوره الأساس. وفي معظم هذه الحالات، الدافع الأكبر وراء هذه الارتجاليات هو الجشع المالي، بحيث تصبح قيادة الحزب معبرا لأموال تدخله من مصادر خارجية، فيثرى من يثرى ويقوى إقطاعيا وسياسيا من يقوى، كل هذا على حساب سمعة الحزب، ونظرته وغايته.

هذه الثقافة قد أصبحت ثقافة عامة من العادات والتقاليد التي تشمل القوميين قيادات وصفا، موالاة ومعارضات، وإلا فكيف نفسر الانشقاقات ضمن الانشقاقات والتهجم والتشكيك والتخوين والاستثناء والإقصاء لمخالفي الرأي. هذه الثقافة لا بد لها ان تتوقف.

الحزب السوري القومي الاجتماعي يعاني من أزمة وجودية الخروج منها لا يكون بالارتجال. الخروج منها يكون بمعرفة أسبابها، وبوضع الخطط الكفيلة بإنهائها. وفي طليعة الأهداف يجب ان يكون اثنان: أولا، إعادة الحزب إلى محوره الطبيعي، محور نظرته وعقيدته وغايته، ووضع الخطط لذلك؛ وثانيا، استقطاب القوميين وتنظميهم حول هذا المحور وهذه الخطط.

لقد حذرنا في هذه المجلة من مغبة التسرع والارتجال، ودعينا الى التخطيط المدروس والهادئ بعيدا عن الانفعالات وردّ الفعل.

نشعر أننا بحاجة إلى تكرار مثل هذه الدعوة. الجسم الحزبي لا يحتمل المزيد من التجارب الفاشلة. دعونا لا نرتجل.

0
0

0 Comment

نذير ميداني 29 يونيو، 2018 - 2:36 م

إن ما ميّز قيادة سعادة لحزبه هو عدم الارتجال. بل التخطيط والاستعداد والتحضير.\\ – أتفق معكم
. ارتجال في المواقف السياسة دفع الحزب ثمنه من عقيدته وغايته وعرق أعضائه ودمائهم\\ – يجب التفصيل الكامل لتكتمل الفكرة
مرتبط باستسهال القيادات لمواقف سياسية حتى ولو كانت مخالفة لغاية الحزب، وتخرجه عن محوره الأساس. \\ – يجب التفصيل
. وفي معظم هذه الحالات، الدافع الأكبر وراء هذه الارتجاليات هو الجشع المالي، \\ – يجب تقديم الراهين
فيثرى من يثرى \\ – لا بد من النفصيل و الشرح و الدليل ، لأن التعيين شرط الوضوح كما يقول الزعيم الخالد
فكيف نفسر الانشقاقات ضمن الانشقاقات والتهجم والتشكيك والتخوين والاستثناء والإقصاء لمخالفي الرأي.\\ – أيضاً يجب التفصيل
الحزب السوري القومي الاجتماعي يعاني من أزمة وجودية الخروج منها لا يكون بالارتجال. \\ – أتفق معكم
إعادة الحزب إلى محوره الطبيعي، محور نظرته وعقيدته وغايته \\ – أرجو أن تقدموا اقتراحاتكم
أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم
مقالة مهمة – أشكر الكاتب و الناشر .
ن . م

شادي طراد 1 يوليو، 2018 - 2:30 م

كلام صحيح
وأعتقد جازماً أن من أهم أسباب الفشل في القضاء على الإنحراف والمنحرفين غياب الجسم السعادي النهج في المواجهة وجل ما نشهده جماعات لا تقوى إلاّ على الإرتجال
فهل يعوّل على هكذا نوعية في خلاصنا؟!!
على العكس تماماً إنهم جزء متمم بهكذا أداء للجريمة المرتكبة بحق الحزب والرفقاء والأمة أجمعين
لتحي سورية وليحي سعاده

Post Comment