تصدير الأزمة

Share

مصطلح كنا نسمعه من محللي القنوات الاخبارية كثيراً، وغالباً ما كانوا يستخدمونه في وصف قادة كيان العدو عندما شنّوا حروباً واعتدوا على دول أخرى في محاولة التهرب من النزاعات الداخلية بصرف النظر عنها باتجاه تهديد خارجي، أي أن رئيس وزراء الكيان، عندما يجد أن هناك نزاع داخلي يكاد يطيح به أو أزمة داخلية أصبحت تشكل عبئاً كبيراً، يخرج من هذه الأزمة ويتجاوزها عندما يقوم بفتح جبهة عسكرية خارجية، مثل عملية عسكرية في غزة أو حرب على لبنان مثلاً، هذه الجبهة الخارجية سرعان ما توحد الداخل في خط واحد وقيادة واحدة، هكذا كان قادة الكيان يصدرون أزماتهم سابقاً، حتى جاء تشرين.
اليوم، قضت محكمتهم العليا برفض مشروع قانون “الحد من المعقولية”، فالمحكمة العليا تملك التدخل لإيقاف تطبيق قوانين تجد أنها غير معقولة التطبيق حتى بعد إقرارها من الكنيست، وكان المجرم الحالي قد حاول القيام بما سمي “الإصلاحات القضائية” ومن ضمنها قانون الحد من المعقولية، الذي يحرم المحكمة العليا من سلطتها هذه في الرقابة على تطبيق القوانين، وكان قد استطاع تمرير هذا القانون من الكنيست، مما أدى إلى اشتعال واحدة من أعمق الأزمات الداخلية في تاريخ الكيان والتي أدت إلى مظاهرات تخللها اشتباكات بينهم على مدى عدة أشهر وتسببت بانقسامات اجتماعية وسياسية عميقة، كانت تصريحات قادة الكيان تتوالى وتعلو في وصف هذه الأزمة الداخلية بأنها أصبحت تهدد وجود الكيان وتكاد تصل إلى الحرب الأهلية، استمات المجرم الحالي في محاولة إسكات الشارع بإنجازات ترضيه، لذلك وكما قال، فقد نسي وجود الفلسطينين وتوجه باتجاه العرب، وبالفعل فقد استطاع إبرام صفقات تطبيع نعرفها جميعاً من ضمن صفقة القرن..إلخ، وكان يعتقد أن الصفقة الأضخم والأنجح والتي ستسكت كل الأصوات هي تلك التي يكاد أن يعقدها مع السعودية، والتي ستكون بوابة تنفيذ قناة بن غوريون المنافسة لقناة السويس ثم الممر التجاري لطريق الحرير الجديد.
كان المجرم الحالي يحاول الإسراع قدر الإمكان بتصدير أزمته الداخلية إلى الخارج.
فجأة، وقع الطوفان
بالنسبة للمجرم الحالي فإن الطوفان كان طوق نجاة من ناحية، وحبل مشنقة من ناحية أخرى، فقد اعتقد أنه سيتمكن أخيراً من توحيد الشارع الداخلي في جبهة واحدة تواجه الخطر الخارجي، ومن جهة ربما تكون فرصة لتنفيذ مخططات تهجير سكان القطاع القديمة، ولكن لم تجر الأمور كما تمنى، فحجم الضربة في السابع من أكتوبر كان أكبر بكثير من استيعابه، وصمود المقاومة حتى هذا الوقت رغم الرد العسكري الوحشي الذي فاق كل الأوصاف جعل من الطوفان حبلاً يلتف حول رقبته والبقاء في السلطة حتى لو احترق البلد بأكمله هو مخرج النجاة الوحيد، ولكن هل تم تصدير الأزمة فعلاً؟
لم يتمكن هذا المجرم من استعادة مقعد رئاسة الوزراء إلا بعد التحالف مع اليمين المتطرف، داعشيون يهود بكل معنى الكلمة ولكن يرتدون ملابس أنيقة، نفس العقلية ومنهجية التفكير والاستنتاج والسلوكيات والوسائل بحذافيرها، هؤلاء تحالف معهم المجرم ليتمكن من الحكم ورضخ لكافة اشتراطاتهم ومتطلباتهم ولم يتخل عنهم رغم كل الضغوط، في النهاية فهو ابن الليكود اليميني أيضاً ولا يختلف عنهم كثيراً، وهؤلاء يعبر عنهم بنغفير وزير الأمن وسيموريتش وزير المالية.
منذ بدء الطوفان، كان موقف هذين المجرمين واضحاً، المطلوب هو إبادة جماعية لسكان غزة وإفراغ يهوذا والسامرة (الضفة الغربية) من الوجود غير اليهودي، والانسحاب من الحكومة عند أي توقف قبل تحقيق هذه الأهداف، الانسحاب من الحكومة يعني انهيار الائتلاف وبالتالي انتخابات مبكرة يبدو من خلال استطلاعات الرأي اليوم أن المجرم سيخسر فيها خسارة مدوية وهذا يعني خروجه من السلطة وبالتالي الخضوع للمحاكمة على جرائم الفساد وغيرها، لذلك سيكون خاضعاً تماماً لابتزاز اليمين المتطرف الذي يمثله بنغفير وسيموريتش.
من جهة أخرى، منذ بدء الطوفان، عمل بنغفير وسيموريتش على أجندة خاصة، أجندة تتوافق تماماً مع تفكير الدواعش ومنهجيتهم الاقصائية ودمويتهم، بينما الكيان يخوض حرباً تكاد تذهب به، انصرف بنغفير إلى تسليح المستوطنين، جماعته وأشباهه بالدرجة الأولى والبقية لاحقاً، تسليح على قدم وساق، تسليح في كل مكان، ولكن لماذا؟ لماذا كل هذا التسليح؟؟
هل سيكون هذا السلاح متوجهاً فقط إلينا؟ أم أنه سيكون متوجهاً إلى كل من لا يشبههم (مثل حميع التنظيمات التكفيرية التي ترى في الآخرين جميعاً كفار يستحقون الموت).
الأزمة الداخلية اليوم في تصاعد، لم يتمكن الخطر الخارجي لحسن الحظ ولصمود المقاومة في أن يوحد شملهم، بل على العكس الشروخ فيما بينهم تتوسع أكثر فأكثر مع كل رصاصة إضافية تطلقها المقاومة ومع كل دقيقة تمر والأسرى لا يزالون في الأسر ومع كل قتيل جديد من جنودهم، لم يسبق لهم أن يكونوا في هذه الحالة من التفكك والتمزق الداخلي والذي لا يبدو أنه سينتهي قريباً، التفكك والتحلل الداخلي هو السبب الأساسي وعلى مر التاريخ لزوال الدول.
نعم أنا متفائل جداً، إن استطاعت المقاومة الصمود أكثر فأن التحلل الداخلي سيصبح غير قابل للانعكاس، قرار المحكمة العليا اليوم سيزيد غليان الدماء في عروق الكثير من معتوهي التكفير والتطرف، الذين أصبحوا يستشعرون الخطر المحدق بهم، ولكنهم قد استعدوا له جيداً.
هذا الكيان مصابٌ اليوم بالجذام، يتحلل من الداخل وهو لا يزال على قيد الحياة.

0
0

1 Comment

Hoda Mohtar Mohtar-Mateyk 3 يناير، 2024 - 4:39 ص

Great analysis, and it makes so much sense!
!Thx for sharing!👍🙏

Post Comment