تركة العام: المجاعة

Share

“في الشام هناك مجاعة حقيقية”، يقولها لك دمشقي ببرودة أعصاب. هذه المجاعة الحقيقية تضرب الوطن السوري بنسب متفاوتة، ولكن وتيرتها تصاعدية. من لم يجع اليوم سيجوع غدًا. هذه هي تركة سنة 2022، التأسيس لزمن أسوأ.

سوف نأخذ مؤشرًا واحدًا نستقصي منه الحاضر والمستقبل، مؤشر النقد.

الدينار العراقي: لغاية الحرب العراقية الإيرانية، كانت قيمة الدينار العراقي تساوي 3.22 دولارًا أميركيًا. اليوم، الدولار الواحد يساوي حوالي 1450 دينارًا عراقيًا. الليرة السورية: لغاية مطلع الاحداث سنة 2011، كان الدولار الواحد يساوي 50 ليرة سورية. اليوم الدولار في حدود 7000 ليرة. الليرة اللبنانية: لحين مطلع الحرب الأهلية، كان الدولار يساوي حوالي 3.25 ليرة، مع انتهاء الحرب ثبتت العملة على دولار يساوي 1500 ليرة. أما اليوم فالدولار يقترب من 50,000 ليرة لبنانية. الدينار الكويتي والدينار الأردني لم يتغيرا كثيرًا خلال العشر سنوات الماضية. أما الليرة الفلسطينية فلا وجود لها.

لقد أخذنا هذا المؤشر الذي يعكس الانهيار الشامل على جميع المستويات من السياسة إلى الاجتماع إلى مستوى المعيشة، من بيروت إلى بغداد. وما يزيد في قتامة الصورة أنه في جميع هذه الكيانات ليس هناك من جهة واحدة تتحمل المسؤولية. إنها شراذم من عصابات وبقايا أنظمة تنهب ما تبقى من مقومات الوطن وموارده.

المسؤولية؟ هناك جهة واحدة أنيط بها أن تكون المحرك لإنقاذ الوطن. هذا المحرك، الحزب الذي أسسه بطل من هذه البلاد اسمه أنطون سعاده، ملقى على رصيف الوقت يكاد أن يأكله الصدأ. ما يجري في الوطن ينعكس تمامًا على هذا الحزب. اللامسؤولية هي سيد الموقف. الانكار هو عدة الشغل. التبرير دائمًا جاهز. الدنيا في ألف خير لولا تشويش البعض وتخريب البعض الآخر، ولولا الظروف الدولية والحرب الكونية، ولولا، ولولا ولولا!

أما أن يقف مسؤول ويقول، المُعطى هو كل ما سبق، وهذه هي خطتنا للخروج من هذا الوضع، حزبيًا وقوميًا، وهي تلحظ الإمكانيات المطلوبة لذلك، وكيفية بنائها، والمدة الزمنية، والإجراءات الضرورية لتحمل مرحلة العبور من الوضع الحالي إلى الوضع المرتجى، فهذا وهم وضرب خيال. جلّ ما يقولون هو: هاتوا لنا مالكم ننفقه دون حساب، وهاتوا أفكاركم ومقترحاتكم كي لا نقرأها ولا نأخذ بها، ولا تحاولوا محاسبتنا فنحن فوق المساءلة.

والأسوأ من هذا كله هو من لم يزل يرسل المال دون حساب، ويكتب لمن لا يقرأ.

إنها صورة سوداء بكل معنى الكلمة، ولكنها الصورة كما نراها. ونحن لن نحاول تجميل الواقع رحمة بالنفوس. فمواجهة الواقع تبدأ من الاعتراف به لا إنكاره.

من قلب مجاعة الحرب العالمية الأولى استل سعاده إرادة فولاذية أسس بها، بعد أربع عشرة سنة، أهم حركة تغييرية عرفتها البلاد في تاريخها المعاصر. هذه الحركة تعاني اليوم من القحط بسبب اللامسؤولية التي تضرب رؤساء أشكالها الثلاثة. وكما أنه لا يمكن انتظار خلاص للبلاد من مجاعتها على يد من أوصلها إلى هذه المجاعة، لا يمكن انتظار خلاص لهذه الحركة على يد من أوصلها إليها. الخلاص هو في مكان آخر، وعلى أيدي أشخاص آخرين.

السنة القادمة ستكون سنة قاسية باعتراف الاقتصاديين والسياسيين في مختلف أنحاء المعمورة. ما يعنينا هو وقف المأساة التي تضرب سوريانا أولاً. ووقف هذه المأساة يبدأ من الذين يحافظون على قسمهم حيال القضية القومية، لا من سواهم.

0
0

3 Comments

Hussein Bazzi 31 ديسمبر، 2022 - 6:00 ص

وقد اصبحنا من بلاد المهانة والخوف وان ذكرنا المالكي والعبادي ومن اتى بهم سنتذكر فعلا بمن اتى بميشال سليمان وما قبله والجحيم الذي بعده ومن ابقى نظام البعث وسيده رغم تحطيم قبر عفلق ورمي ما تبقى من جثته ..اما عملة فلسطين فما بالنا بمحمود عباس الذي سطر بجلده وعمالته لتحطيم الشعب الفلسطيني فكيف بالعملة فخسب .فمآساتنا ليس مع الدولار بحد ذاته ..فحاكم مصرف لبنان منذ 25 عاما ورئس مجلس النواب وحركة امل منذ 20 عاما واسعد حردان وزيرا ونائبا ورئسا للحزب القومي منذ ما لا يقل عن 15 عاما ووليد جنبلاط قائدا ونائبا ورئسا للحزب الاشتراكي منذ 30 عاما واكقر ..هذه عينة عن ادارة بلاد حين يموت الاب ليأتي الابن ثم الحفيد ونح لا ننتصر الابهم ولا ننتخب ونصفق الا لهم ..قل لي يارفيق اسامه عن كل ما له صلة بتدمير بلادنا من اي جامعة تخرجوا ..لتحصل على كل جواب .

Fawaz Yazji 31 ديسمبر، 2022 - 7:55 ص

في بلادي المواطن ليس إلا متلقي للقرارات والأوامر ، عليه واجب الطاعة والتنفيذ حقه الوحيد هو خدمة العسكر والعسكرين
فخور بالنكبات مبرر لها شاكر فضل رغيف خبز مجبول بالذل وراء طوابير الانتصارات يكتفي بساعة واحدة من الكهرباء مكرمة من القائد الرمز الذي أغدق عليه من كرمه ، يصلي عشرون ركعة باليوم دون وضوء ليطيل الله النعم من كهرباء وماء نقي تستحي البعوض منه أن يكون فراشاً لها ، يشتري سيداً بما أدخره من أبناء ههجروا نادمين
أي وطن ذلك الذي يجلد أبنائه كل يوم بدم بارد بيد قواد باعوا ماتبقى من جثة وطن كان مهد الحضارة للبشرية

ماهر الحاج 1 يناير، 2023 - 7:37 ص

رفيقي أسامة،

لا يقف الحزب على رجليه إلا بأعضائه، لسنا أغبياء ولا قلوبنا معمية، ولكن إن لم نحافظ على حزبنا لن يبقى لنا إلا سراب أحلامنا.
حتى اليوم، ليس لنا من أداة إلا حزبنا، فلنحافظ عليه وننهض به.
ولتحيا سورية

Post Comment