ترف الإحباط

Share

اسامه المهتار

 

كتب رفيقي قائلا، ” ألا يحق لنا الإحباط في ظل الظروف الراهنة؟”، أجبته “نعم يحق، ولكننا لا نملك هذا الترف”. فما هو الإحباط؟ الإحباط، وفق ويكيبيديا، هو “الحيلولة دُونَ تحقيقِ المرءِ رغبةً مِن رغَباتِه، سواء أكان لهذه الرغبة ما يبررها أم لا، ويصاحب ذلك ضرب من الحسرة وخيبة الأمل.”

لا شك في أن أي سوري قومي اجتماعي مخلص لقضيته وقسمه يمرُّ بلحظات يشعر فيها بأنه ينوء تحت حمل عظيم من الألم على مصير سورية والقلق على مستقبلها، فيكاد يستسلم لإحباط يخدّر الحواس. والشعور بوطأة هذا الحمل يتناسب طردًا مع الوعي بأعباء القضية القومية ومتطلباتها، والعوائق الكبرى التي تحول دون تحقيقها. ولعل أحد أهم أسباب الإحباط الذي يشعر به القوميون هو معرفتهم أن “قيادات” حزبهم العظيم الذين انتموا اليه ليعملوا لانتصار قضيته، غير عابئة بهذه القضية، بل تشرذمت إلى تنظيمات ثلاثة ينخرها الفساد والانحراف والصنمية حتى النخاع.

القوميون، أو قسم كبير منهم، محبطون لأن رغبتهم في انتصار قضيتهم تصطدم بعوائق تحول دون تحقيق هذا الانتصار. وليست ما يحبطهم عوائق خارجية، فتلك كانت دائما حافزاً للقوميين لبذل المزيد من العطاء والبطولة والتضحيات. ونحن نرى القوميون اليوم، حتى في اشد الظروف الداخلية التي يمر بها حزبهم سوءًا، يمارسون من البطولات في ساحات الوغى ما يفرض احترام الأعداء قبل الأصدقاء. الإحباط مرده إلى انهم يرون حزبهم منشغلاً في أمور كثيرة تبعده عن قضيته وغايته ونظرته الجميلة إلى الحياة.

ما الذي يشغل القوميين عن غايتهم؟ سنكتفي بأمرين في مقالنا هذا. أولا: السياسة للسياسة. وفي هذا يستوي الجميع، معارضة وموالاة. لقد ضربت حمى الانتخابات في لبنان معظم القوميين، فها مركز الروشة يقدم لوائحه، وها “تيار النهضة” المعارض يقدم لوائح منافسة، ولن نستغرب ان يقدم مركز الدورة هو الآخر لوائحه. في كل هذا تضيع حقيقة أن النظام اللبناني قد نجح في تطويع القوميين وإعادتهم إلى علبهم الطائفية مرشحين ومقترعين. فالمرشح هو عن طائفة او مذهب، وغدًا، سيصطفّ القوميون مع باقي أبناء الشعب البائس في صفوف طائفية أمام مراكز الاقتراع، فهذا صفّ السنّة وذاك صفّ الموارنة وهلم جرا.

رب قائل، ولكن الزعيم اشتغل في السياسة وخاض غمار الانتخابات اللبنانية. صحيح. ولكن الزعيم كان يعمل من ضمن خطة بعيدة الأمد، يقودها عبر إطار ثلاثي الابعاد من إدارة وسياسة وحرب. (راجع فصل إطار إدارة الاستراتيجية في كتاب “إدارة الاستراتيجية في المنظمة العقائدية.”)  فجاءت مشاركته في انتخابات سنة 1937 بعد هجوم صاعق وخاطف شنه على الفرنسيين وأذنابهم في لبنان بين 1935 و1937، أجبر الفرنسي المحتل في نهايتها على طلب هدنة بعد مفاوضات شاقة معه. وفي هذه المفاوضات نال سعادة ما طلبه وأعطى الفرنسيين مشاركة في الانتخابات اللبنانية إلى جانب الحكومة. ولكنه بعد الانتخابات فورا عاد إلى فتح النار عبر مقالاته “الأحزاب الببغائية”، ورده الشهير على خطاب للبطريرك الماروني. هل يستطيع أي من القوميين المشاركين في الانتخابات ترشيحا أن يقولوا لنا ما هو المردود الذي يصرف في مصلحة قضية الحزب في الانتخابات اللبنانية القادمة؟

ثانيا: المال والسطوة. هناك قاعدة اعتمدتها جميع القوى الخارجية – ونقصد بكلمة “خارجية” قوى من خارج الأمة أو فئات ودول ومنظمات من داخل الأمة – تريد السيطرة على الحزب السوري القومي الاجتماعي وتجيير طاقته وحيويته لخدمة مصالحها. هذا أمر حصل مع جميع قيادات الحزب إبان اغتراب سعادة القسري، ومن بعد اغتياله. فكانت تلك القوى الخارجية تنتقي لها شخصية حزبية ما تصبح هي المعبر الالزامي لأموال وأسلحة تتدفق على الحزب، طالما بقي الحزب في خدمة مشروع تلك القوى. هذا الامر شهدناه في المحطات التالية: الواقع اللبناني، حلف بغداد، التحالف مع اليمين اللبناني سنة 1958، العلاقة مع منظمة التحرير ومن ثم المخابرات الشامية، والآن مع حزب الله وإيران والشام. من أجل هذا المال، انشق الحزب أكثر من مرة، وبضغط من الممول الخارجي، توحد الحزب أكثر من مرة. ما يطلبه الممول هو ان يبقى الحزب “ممسوكا”، أي ان لا يخرج عن إرادة الممول وسياسته ونهجه. إن الحزب يُلزِّم إلى “مقاطعجي” طالما هو قادر على الإمساك بالحزب وحرفه عن غايته. فإن فَشِلَ، استُبْدِل بأسرع ما يمكن.

أين القوميون من كل هذا؟ إنهم محبطون. لماذا؟ لأنهم ما زالوا يتأملون من هذه التركيبات خيرا عوضا من رفضها ونبذها. إنهم لا ينفكون يُخدعون مرة تلو الأخرى، وبنفس الخدعة: “الوضع سيء وخطير..”، “لا وقت عندنا الان للالتفات الى الفساد…”، “لا وقت عندنا للالتفات إلى متطلبات غايتنا، فنحن في حالة استنفار أو حرب أو مشاكل..”، اختر العذر الذي تشاء.

بالأمس، قال أمين صديق مخلص، لأمين صديق مخلص: “مع الأسف، لقد فشل الرئيس حنا الناشف.” هل كان هناك من يصدق إنه يمكن للرئيس حنا الناشف أن ينجح؟!

بعض الناس يُعطى رؤية الكوارث بعد حصولها. بعضهم الآخر محروم حتى من هذه النعمة.

 

0
0

0 Comment

غازي خليل 1 مارس، 2018 - 10:30 م

اعتقد انه لا يحق لنا الا ان نكون محبطين.
فترف الاحباط حين تراهم غير محبطين.

Post Comment