قرأنا اليوم للسيد ماكرون الفائز، بالانتخابات التمهيدية للرئاسة الفرنسية الى جانب السيدة ماري لوبان، قوله بعد فوزه “أريد أن أكون رئيساً للوطنيين ضد تهديد القوميين” ( سبوتنيك-24-04-2017)
وقرأنا للسيد وليد جنبلاط ايضا قوله “إن وحش القوميات والفاشيات يهدد وحدة ومستقبل اوروبا…” (تغريدته على تويتر23-04-2017)
الاثنان يغمزان من المرشحة الفائزة ايضاً تمهيدياً ماري لوبان، ولوبان هذه أقترن اسمها هي الاخرى بالنزعة العنصرية تجاه المهاجرين وتجاه العناصر ذات الاصول غير الفرنسية
بالنسبة لماكرون، واضح أن القومية عنده هي نقيض الوطنية، أو على الاقل عدوتها. ويظهر أن الفرنسيين لا يزالون يعتقدون أن القومية هي نعرة يمينية وشوفينية (كره الاجانب) ومقولة عنصرية أو جنسية عرقية سلالية، أين منها الوطنية التي تشمل جميع المواطنين بالتساوي.
نحن نتكلم الان سنة 2017، أي بعد 85 سنة من إعلان سعادة عقيدته وفلسفته القومية الاجتماعية سنة 1932، وتأليف كتابه “نشوء الامم”. ومنذ ذلك الوقت أوضح سعادة كيف أن الوطن هو اهم عنصر من عناصر القومية، وأن القضية القومية هي قضية الامة والوطن، وأن الامة لا معنى لها من دون وطن تجري حياتها ضمنه، وأن تفاعل الامة والوطن هو الذي يكسبها شخصيتها وهويتها. كما وأوضح أيضاً أن القومية والوطنية شيئان متآلفان متلازمان متكاملان، وانه اذا كانت الوطنية هي النسبة للوطن فأن القومية هي النسبة للقوم- الامة، وأن القومية هي بالتالي وعي الأمة لوحدة حياتها الاجتماعية الاقتصادية على ارض وطنها، كمزيج عرقي سلالي وهيئة اجتماعية واحدة ناتجة عن تفاعل مختلف الأصول والعناصر فيما بينها وتفاعلها معاً على ارض وطنها- بيئتها الطبيعية التي سهلت امتزاجها وتفاعلها وصيرورتها مجتمعا واحدا موحد المصالح وموحد المصير وموحد العوامل المادية والروحية.
ومنذ سنة 1932 الى اليوم لا يزال بعض المستثقفين والمستفكرين، ورغم وضوح سعادة وعلمه وابتكاره وفرادته، يقول إن سعادة إنما اقتبس عقيدته القومية من الفكر القومي الأوروبي في القرن التاسع عشر وتأثر به. فها هو ماكرون اليوم وهو المرشح لأعلى منصب سياسي في أقوى دولة اوروبية، لا يزال متأخراً عن سعادة وعن فكر سعادة القومي الاجتماعي الذي سبقه وسبق الاوروبيين باشواط بعيدة. ها هو ماكرون يثبت أن الفكر القومي الاوروبي اليميني الشوفيني العنصري المتناقض مع القومية الحقيقية ومع الوطنية الجامعة، لا يزال فاعلا فيه وفي منافِسته على السواء، فهو لا يفهم القومية إلاّ عنصرية وشوفينية، وهي لا تفهم الوطنية إلاّ عنصرية تخاف من الاجانب وتعاديهم.
إن قومية سعادة هي الاجدر أن يتأثر بها الاوروبيون اليوم ويقتبسوا عنها ويتعلموها. لقد حان الوقت للفكر الاوروبي أن يدرك صحة مقولة سعادة بأن الوطن هو أهم عنصر من عناصر القومية، وأن القومية هي يقظة الامة- المجتمع الواحد وتنبهها لوحدة حياتها ومصالحها ومصيرها على وطنها الواحد، وليست القومية هي مجرد نعرة يمينية عرقية شوفينية نقيض للوطنية
.
أما جنبلاط، بك، الذي فرغ لتوه من تنصيب ابنه وتوريث ابنه البكاوية
، فيستطيع الآن التفرغ للاهتمام بآخر المقولات الفكرية في العالم، ومن موقع المثقف والمراقب والمدرك والعارف والعالم بتطور الفكر، والمحذر والمنبه والحريص على مصير البشرية. فقد غرد على تويتر قال:
“اذا انتصرت مرشحة اليمين لوبان في فرنسا فإن وحش القوميات والفاشيات سيهدد وحدة ومستقبل اوروبا. اليوم مصيري للبشرية.” فعلا، اليوم مصيري في المختارة: شو بدنا نعمل بالقومية العربية يا بك؟
0 Comment
شكرا على هذا المقال. بالتأكيد الفكر القومي الذي نؤمن به لا علاقة له بالفكر القومي المتداول في أوروبا. فهذا الأخير قائم على الجمود وعلى العداء بينما فكرنا القومي قائم على الحركة والتفاعل. إنما لدي بعض التساؤلات أو بالأحرى بعض من الملاحظات. أنا لست من المدافعين عن ماكرون ولا عن جنبلاط. إنما كان من المفترض أن تكون المقارنة بين الفكر القومي الذي تبثه مارين لوبان والفكر القومي الذي نؤمن به بدلا من أن تكون بين ماكرون وسعادة. إن رد ماكرون على لوبان هو مواجهة بين العولمة التي يطمح بها والانغلاق الذي تعمل هي له. فرده ليس إلا لمحاربة الفكر القومي الفرنسي وبالتالي الأوروبي. أما بالنسبة لجنبلاط فيا حبذا لو تم التطرق إلى التوجه الاشتراكي المناقض تماما للفكر الاشتراكي العالمي. فالاشتراكية “الدرزية” مرادفة للعنصرية والتقوقع الطائفي. والجملة التي تراودني هي: من منكم بلا خطئية فليرمها بحجر. جنبلاط يتميز بالفكاهة. يرمي مارين لوبان بالحجر الذي يقتات منه هو وحزبه!!!!
صحيح ما ذكرتيه. علما أن الفكرة الرئيسة من مقالتي القصيرة كانت نفي تأثر سعادة بالفكر القومي الاوروبي وأن العكس يجب أن يحصل. لقد بدا من عنوان المقالة كأنني اتناول ما قاله ماكرون فقط، لكن المقصود هو الفكر القومي الاوروبي بشكل عام. على كل حال ماكرون جابه قومية لوبان بالوطنية الفرنسية وليس بالعولمة، أرحب بملاحظتك واحب المزيد ويا ليت أقرأ لك
تحيا سوريا
ؤاضح الفارق بين الوطن والقومية والجدلية بين المفهومان ونتيجة عدم الاخذ الاخذ بهذه الجدلية فيقع ماكرون ولوبان في الجزئية مع كل ما ينتج من تطرف وعمى في مقاربة الواقع الاجتماعي الانساني. واود الاشارة الى التالي : حاول سعادة او اعتمد سعادة على العلوم المتوفرة لبناءنهضة تقوم بالسوريين من الانحطاط ولم يسعى بعبقريته لاهداف شخصية نرجسية ترضي ذاته لا غير. لم يقبل بالواقع السياسي المفروض وبالتالي تعامل مع الفورة “الديمقراطية” في الدول السياسية السورية بليونة دبلوماسية ولكنه لم ينجر الى اعتبار الانتخابات هي الملاز الاخير لانتصار القضية السورية. رفض سعادة ما يمكن توصيفه ” بالشعبوية” وهي الميل لاستهلاك والاستفادة من الحالة السائدة بعقول ونفوس ابناء مجتمعنا. فلم يحاكي الغرائز والاعتقادات الشائعة مثل الوطنية والقومية بما ررسوا عليها من محتوى في لحظة تاريخية ما. وهذا ما يميزه عن غيره. ارا د رسم حياه انسانية جديدة تستند على العلم في مقاربة الواقع ولذا كان مميزا . لقد وقع رويدا رويدا قسم من المؤتمنين على القضية القومية الاجتماعية في الشعبوية وانتصرت الشعبوية على العقل القومي الاجتماعي في هذه المعركة ولكن الحرب مستمرة بين الاثنين ولم تقل القومية الاجتماعية كلمتها الاخيرة في ضمير الانسانية.
اشكر لك قراءتك وتعليقك، واتفق معك فيه. لكن انا لا ارى ان الشعبوية قد انتصرت على العقل القومي الاجتماعي طالما أن الحرب مستمرة، كما تقول، وطالما ان القومية الاجتماعية لم تقل كلمتها الاخيرة بعد.