انظروا اليه هو

شحاده الغاوي

Share

كلمة الرفيق شحادي الغاوي في ندوة مناقشة كتابه “الأسباب والعوامل الحزبية الداخلية في تاريخ استشهاد سعادة”.

إن التاريخ هو ملك عام وليس ملكاً خاصاً، وإن قراءة التاريخ ومعرفته هي حقٌ عام للناس وليس حقاً خاصاً لأحد. وأمام الحق العام يجب أن تتراجع الخصوصيات واعتباراتها ومصالحها، وتفقد أهميتها. لذلك فإني في كتابي لم أهادن أحداً أمام حق سورية العام.

إن الأسماء الواردة في الكتاب أكثر أصحابها ماتوا، والباقون سيموتون غداً، ولن يبقى إلًا الحدث الذي إشتركوا فيه، وهذا الحدث هو حقنا جميعاً أن نعرفه ونفهمه ونتعلّم منه، وأنا لم يكن يهمني إلّا الإضاءة على هذا الحدث بغض النظر عمّن اشترك فيه.

فإلى الذين مُسَ خاطرهم لأنني ذكرت أسماء معيّنة أريد أن أقول:

إن الذي إستشهد ظلماً هو سعادة. لقد خسرنا سعادة وبخسارة هذه الشخصية الاستثنائية في تاريخ بلادنا الحديث نزلت في أمتنا ووطننا أعظم خسارة، بل أعظم نكبة منذ أكثر من ألف عام. أفَلم يَمُسّ ذلك خاطركم بشيء؟!!

ألم يكفِ إستشهاد سعادة على الصورة التي حدث فيها لأن يُنسيكم الاسماء الأخرى كلها؟!!

أنظروا إليه هو، وتمعّنوا في وقائع إستشهاده هو، وليستثيركم الظلم الذي لحق به هو، ومن خلاله بالحزب والبلاد والشعب كله. فالحزب السوري القومي الاجتماعي إذا كان لا يزال موجوداً ومستمراً بشكل أو بآخر فبفضل تاريخه هو وقدوته هو وما تركه هو من أساس من قضية ومبادئ وفلسفة ونظرة جديدة، ومتجددة دائماً، الى الحياة والكون والفن، حيّة ومستمرة في أجيالنا الآتية واللاحقة. أمّا الآخرون فأدوارهم ليست مستمرة ولا باقية. لهم مساهماتهم وجهادهم وأثرهم، ولهم ذكرهم وإحترام ذكرهم وتضحياتهم، وشكراً لهم، وهذا يكفي.

إن بلادنا اليوم، إذ تنزف وتتلوّع، تذكره هو وتشتاق إليه هو، وكأنها في نزيفها وفي لوعتها تدفع ثمن دمه الغالي الذي أريق ظلماً فجر الثامن من تموز 1949، وهو توقّع ذلك في أيامه الاخيرة عندما قال:

“إن الامم الغبيّة تفعل بأبطالها كما تفعل الاطفال في ألعابها، تحطمها ثم تبكي طالبة غيرها”.

حضرات الرفقاء والاصدقاء

منذ اللحظة الأولى لإكتمال فكرة هذا الكتاب في ذهني توقعت أن يثير عاصفة، بل حرباً حقيقية بين عقليتين:

عقلية بليدة كسولة تخاف الحقيقة الجارحة وتهرب منها، وعقلية متحفزة متمردة تطلب الحقيقة ولو جرحتها.

قالوا لي: وكيف تدّعي أن ما كتبته هو حقيقة وليس مجرد وجهة نظر خاصة بك؟؟

جوابي كان: أنا لا أدعي إمتلاك الحقيقة وحدي، وفي كتابي لا يوجد شيء من هذا لادعاء، بل يوجد قراءة عقلية ونقدية لوقائع حدثت فعلاً في التاريخ وقام عليها دليل وشهود وشهادات من أصحابها المباشرين. وأن من يقرأ الكتاب بهدوء يمليه العقل وتمليه الرصانة، دون انفعال ودون آراء وأحكام مسبقة أو ولاءات ثابتة واعتقادات جامدة أو متجمدة، يدرك ويلمس كم كنت حريصاً على تقديم الحدث عارياً سافراً دون لبوس ودون ستار، إبتداء من اسبابه وعوامله ومروراً بحيثياته ووقائعه وصولاً الى نتائجه ومفاعيله.

ورغم ذلك فإني أعرف وأعترف أن آرائي ووجهات نظري كان لها مطرح في ما كتبت، وكان لها فسحة في فصول الكتاب الخمسة كلها. فلا يخلو عملٌ من بصمات القائمين عليه.

0
0