الوجود.. بالموجود

Share

في كُتيّبٍ صدر عام 2005 تحت عنوان «في ذكرى التاريخ»، قال حبيب الشرتوني حرفياً: “لا تعودوا أيّها الضّالون إلى نبش القبور… ولا تدّعوا أنّكم تحمّلتم دونَ سواكم عناءَ الأموات والأحياء.. فأنتم الذين بدأتُم وأنتم الذين انتهيتم حيثُ بدأتُم.. فاطووا الصفحةَ ولا تحاولوا الكَرّةَ حتى لا تَفشَلوا ثانيةً.. وتضعوا أنفسَكم خارجَ دائرة الحياء.. ولا تَنعتونا أبداً بالقَتَلة.. لأنّنا قاتلناكم بكبرياء.. حتى نُوقفَ مُسلسلَ سفكِكُم للدماء البريئة.. ونَحُدّ من مشاريعكم الإجراميّة والشخصية.”
ولمن لا يعرف فقد قتل آل الجميل والدة حبيب الشرتوني وشقيقته، وعدداً من أفراد عائلته.
تحضر ذكرى مُقاومة حبيب الشرتوني عبر اغتياله العميل بشير الجميل مع عملية حاجز الجملة صباح هذا اليوم، القاعدة بسيطة في الحالتين، الوجود بالموجود، والموجود هنا، مُقـاومة لا تكلّ ولا تملّ، تتكامل ضمن الاستجابة الطبيعية للمجتمع ضد السلب المبرمج عبر مشاريع الناهب سواءً كان بالكيان الصهيوني مباشرة، أو بأدواته النتنة الخرقاء، وهي حقاً خرقاء، فهل لا تدرك أن كل مشروع يقوم على بداية ونهاية، مسألة حتمية بسيطة ومعادلة أبسط، وحبيب مثل شهيدا اليوم من آل عابد، أدرك تماماً أن هذه الأرض لا تحتمل سوى أبنائها، دون اهتمام هذه الأرض لمذهبية الابن البار.
حبيب مثل عبد الرحمن وأحمد، اعتقد الناهب أن ظهره أسند على مشروعه، هنا طائفية مارونية محكومة من قبل آل جميل العملاء، وهنا سلطة دايتون محكومة من قبل زمرة أوسلو العملاء، لا فرق بين المُقاومين، ولا فرق في العمالة، فقبح الاسترسال لم ينزع عن حبيبنا وأحمدنا وعبد الرحمن الفهم العميق والدقيق لمسألة “يا أنا يا أنا” والتي تتضاد مع فهم أن المُقـاومة فعل فردي، فالأنا هنا هي كامل المجتمع بتطلعاته إلى وطن ينطق بتاريخهم ومستقبلهم، لا أجنبي يستغلها، ولا أدوات تحكمه، ولا قتلة يسيرون بالشوارع لاغتيال أحلامه، خيارهم مدروس بالدم والنتيجة، لا مغامرة فيه، ولا استبسال فردياً، بل حالة رفض قصوى ووجودية لكل شيء عدا هذه الأنا التي تحمل العائلة، والأرض، والجيران، والماضي، والمستقبل، وما أسند ظهر حبيب وأحمد وعبد الرحمن كل هذه الأنا الساطعة، ونعم لكل جميل حبيب، ولكل صهيوني أحمد وعبد الرحمن، حجراً كان أم دفعاً بالجسد أو رصاصة، ومثل هؤلاء من يضمن لنا البقاء. 

0
0