أولاً، بتعريف الوجدان القومي، نقتبس من مقدمة كتاب “نشوء الأمم” لأنطون سعاده:
(كل جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القومي، الشعور بشخصية الجماعة، لا بد لأفرادها من فهم الواقع الاجتماعي وظروفه وطبيعة العلاقات الناتجة عنه.)
ويقصد سعاده بالشعور بشخصية الجماعة، الشعور بشخصية الأمة.
أما في حال أردنا الحفاظ على هذا الوجدان داخل الحزب، فعلينا أن نعيد الحزب للعمل من أجل المبادئ والغاية التي تأسس الحزب لتحقيقهم، وعدم السير بكل ما يخالف نهج سعاده الواضح وتعاليمه وعقيدته الواضحين أيضًا.
لا يمكن فك ارتباط الوجدان القومي السليم بمسألة التعاقد مع سعادة، التي نشأ عليها الحزب. لأن التعاقد مع سعاده هو الضامن الأساسي لقدرة الحزب على تعميم ظاهرة “الوجدان القومي”. فحاولوا تغييب هذا التعاقد عندما عدلوا “قسم الانتماء” إلى الحزب في “مؤتمر ملكارت” بحجة أن سعاده قد استشهد ولم يعد بإمكاننا تلقي الأوامر المباشرة أو غير المباشرة منه، فحولوا النص من (وأن أؤيد الزعيم وسلطته…) إلى (وأن أؤيد مؤسساته الدستورية وسلطتها) وهنا يقصد مؤسسات الحزب.
ومع سحب غالب صلاحيات رئاسة الحزب وإعطائها إلى المجلس الأعلى بحجة أن الكلمة الفصل يجب أن تكون لعدد أكبر وليس لفرد واحد (الرئيس) وفي أحيان كثيرة عبر التصويت في المجلس الأعلى. أصبح المجلس الأعلى يحاسب الرئيس (رأس السلطة التنفيذية) على مجلس العمد (المعاونين للرئيس في السلطة التنفيذية) وذلك بدون أن يتمكن الرئيس من اختيار العمد وتعيينهم، بل عليه أخذ موافقة المجلس الأعلى على جميع العمد. فتعطل دور الرئاسة وبالوقت نفسه تحولت إلى شماعة يرمى عليها الفشل كله عند وقوعه.
كما أنه في الوقت نفسه أصبحت الخلافات الدائمة في المجلس الأعلى تهدد مصير الحزب كله، فالاستقالات والعودة عنها والاعتكافات والانشقاقات، قد سيطرت على المشهد الحزبي العام منذ تعديلات “مؤتمر ملكارت” وحتى الآن. فتحول كل عضو مجلس أعلى إلى “رئيس” وإلى صاحب “فيتو” كما تحول رئيس المجلس الأعلى إلى سلطة ديكتاتورية مطلقة (يرفض القيام بجلسة مجلس أعلى، يرفض تلاوة استقالات أعضاء المجلس الأعلى، يتلو الاستقالة التي يريدها ولا يتلو التي لا تناسبه…)
كل هذه الأمور أنتجت تعطيلاً دائمًا لمؤسسات الحزب، ولم تعتمد بشكل حقيقي مقولة “عدة عقول تفكر وتقرر أفضل من عقل واحد” حتى أصبحت “كل عقل يفكر لوحده ويريد فرض رأيه على الجميع.”
أيضًا سيطر المجلس الأعلى على تعيين المحكمة الحزبية وعلى حلها وإعفائها فتعطلت “السلطة القضائية” في الحزب وأصبحت طيعة بيد المجلس الأعلى في الحزب.
نعود هنا إلى التعاقد مع سعاده، هذا التعاقد هو الحامي الحقيقي للحزب، مؤسسة” ونهجًا وخطة نظامية لأنه مرتبط بالوجدان القومي “الشعور القومي” الذي يمنعه من بيع نفسه أو بيع الحزب أو من الانحراف الفكري والأخلاقي، كما يمنع سيطرة الأفراد ومشاريعهم الخاصة على الحزب ومؤسساته. ولا يعني التعاقد مع سعاده أن يصبح كل فرد يرى الأمور من منظاره الخاص او أن يطبق ما يحلو له من الأوامر الحزبية ويرفض تنفيذ ما لا يعجبه ولا يعني التفكك المؤسساتي أو انشاء التكتلات الداخلية والخارجية، بل يعني العودة إلى فكر ونهج سعاده في الأمور الحساسة والمصيرية خاصةً الأخلاقية والفكرية والتنظيمية والسياسية. فلا تضيع البوصلة ولا تتحول العقيدة إلى عقائد تختلف على التفسير أو التطبيق.
يحتم التعاقد مع سعاده الخروج على القرارات المنحرفة، باعتماد الوسائل النظامية الدستورية أولاً، حتى استنفادها كلها، أما عند التأكد من تحول السلطات الدستورية إلى دكتاتورية كيدية فردية مصلحية خاصة، هنا يجب الانتفاض وعدم إطاعة الأوامر الخارجة عن نهج سعاده وعقيدته.
ولكن في الوقت عينه يجب أن يكون هدف “الخروج على المؤسسات” هو العودة إليها عبر إعادتها إلى النهجي القومي السعادي السليم.
فلا تقوم النهضة على الأفراد ولا على الجماعات الغوغائية التي اجتمعت على الرفض والهدم ولم تجتمع على البناء. ولا يقوم التعاقد على النزعة الفردية.
لن تنتصر النهضة إلا عبر المؤسسات الحزبية الواحدة، فلا خطة نظامية بدون مؤسسات حزبية واحدة ولا نهضة حقيقية من دون خطة نظامية قومية واحدة.
لا شك أن غالب المعترضين والمعتكفين يشعرون بمرارة كبيرة جراء ابتعادهم عن المؤسسات الحزبية وعن العمل التنظيمي، فكما يقول سعاده: “إنّنا حين ندخل الحزب السّوري القومي الاجتماعي ندخل في حياةٍ جديدةٍ لا نريد أن نتخلّى عنها”.
فلا شك أن هناك ارتباط وجداني عاطفي قوي بمؤسسات الحزب، ففيها ذكريات الطفولة والأشبال لكثيرين كما مرحلة الطلبة والشباب والنضال والقتال، فيها لحظات الخطر ولحظات القوة والضعف وفترات الاضطهاد والعمل السري وغيرها من الذكريات والمعاني الوجدانية.
حتى لدى الأجيال الحالية نرى تعلقهم بـ”الأجواء القومية” (المخيمات الحزبية، الاجتماعات، التدريب العسكري، العمل الحزبي، العمل الاجتماعي، السهرات، الرحلات…) وهذا كله يعزز الوجدان القومي والارتباط الروحي “النفسي” بمؤسسات الحزب.
هنا يجب تحكيم العقل جيدًا، فالحزب هو (فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها) “سعاده”
أي أن الحزب هو الفعل الذي سيحقق النهضة وبناءً عليه، عند انحراف الحزب عن الأهداف التي نشأ من أجلها، لا يجب الدفاع عن أخطائه كتنظيم بل العمل من أجل إعادته إلى محوره، فسعاده لم يؤسس الحزب لأنه أراد تزعم مجرد حزب أو حزب ينقلب على مبادئه وينحرف عنها أو يبيعها في “أسواق النخاسة السياسية” بل أراد حركة لانتصار الفكرة التي آمن وعمل واستشهد من أجلها.
وحتى يتحقق الانتصار، على الحزب أن يسير بالشكل الصحيح نحوه، لا أن يضل الطريق ولا أن ينصر عقائد أخرى وأفكارًا أخرى (سواء بعلم القيادة أو بعدم علمها).
فإذا كنا نرى فعلاً أن الحزب هو الوسيلة علينا في أوقات كثيرة أن نعضّ على جرح الابتعاد عن العمل التنظيمي ومحاولة تضميده بعمل ينقذ الحزب من براثن الانحراف والنزعة الفردية القاتلة.
أولى الخطوات تكمن بالمطالبة بتعديلات دستورية حقيقة تعيد للرئاسة صلاحياتها وتقر استقلالية المحكمة الحزبية مع اعتماد المرسوم الدستوري رقم4 في عملية انبثاق السلطة الحزبية. وهنا يصبح بإمكاننا محاسبة الرئاسة على أخطائها لا محاسبتها على أخطاء غيرها.
في الختام، هذا طريق حتمي يجب أن يمر به الحزب لاستعادة وحدته التنظيمية المؤسساتية ووحدته الروحية “النفسية”، حتى يستطيع القيام بدوره المجتمعي وحتى تنتصر النهضة، وحتى تنتصر النهضة عليها أن تنتصر في النصوص كما في النفوس.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “الفينيق”