** ينشر هذا المقال بالتزامن مع موقع سيرجيل
[سقطت دمشق بيد الجيش الفرنسي، بعد معركة ميسلون في 24 تموز 1920، فانكفأ المشروع العربي الحجازي، نحو مناطق الانتداب الإنكليزي، فارتسم في العراق والأردن حاكماً، إلاّ أنّه بدأ يتخذ هيئة مختلفة ويعبّر عن نفسه من خلال جمعيات وشخصيّات وأحزاب.
وإذا كان ساطع الحصري (1879 – 1968)، يعتبر المفكّر العروبي الأبرز، الذي ظلَّ مخلصاً لـ (المشروع العربي)، معتبراً أنَّ القوميّة العربيّة ولدت مع الثورة العربيّة الكبرى، فإنَّ جيلاً مختلفاً – غير عثماني – بالأصل، كالحصري، سيبدأ بالحضور من مثل قسطنطين زريق (1909 – 2000) وزكي الأرسوزي (1899 – 1968) وميشيل عفلق (1910 – 1989) الذين كانوا سويّة في (عصبة العمل القومي) ثم ليتفرقّوا، ولكن ليتفّرّد ميشيل عفلق بوضع الصياغة الأيديولوجية للتيّار العربي/الإسلامي والتي سترتسم على هيئة حزب سياسي، سيؤسَس على مراحل ثلاث: 1941 – 1947 – 1952، ليصبح اسمه: حزب البعث العربي الاشتراكي]
من المؤكد أنَّ حزب البعث العربي الاشتراكي، شكّل الحالة الأكثر تعبيراً، عن التيار العربي الإسلامي، وهو مع الناصريّة – تيّار الرئيس جمال عبد الناصر – سيكونان الأكثر تأثيراً في تاريخنا المعاصر. فهو، أي البعث، عدا عن حضوره وتأثيره البارز في المشهد السياسي السوري خلال خمسينيّات القرن العشرين وصولاً إلى ستينيّاته، تمكّن من القبض على السلطة في أكبر كيانين من كيانات الأمّة السوريّة: العراق والشام. حيث حكم على نحوٍ مطلق في العراق (1968 – 2003)، وبدأ بحكم الشام ولا يزال منذ العام 1963.
إنَّ العودة إلى النَصّ المرجعي التأسيسي للحزب، تبدو طريقة موثوقة منهجيّاً للتيّقن من طبيعة الفكرة المركزيّة التي ستشكّل المحتوى الأيديولوجي للحزب، بعقيدته ورؤيته لنظام الدولة، وما ينبثق عنها من تشريعات وسياسات. وإذا كانت الإشكاليّة التقليديّة والمعروفة التي يعبّر عنها سؤال: مَن هو مؤسس حزب البعث، زكي الأرسوزي أو ميشيل عفلق؟ والتي ارتبطت بالانقسام الداخلي فيه، ومن ثم انتهت، على المستوى النظري، بعد حركة 23 شباط 1966، باعتماد الحزب في الشام السيد الأرسوزي مؤسساً، واعتماد الحزب في العراق السيد عفلق مؤسساً… إذا كانت هذه الإشكالية تحيل في إطار البحث التاريخي، إلى مرجعين تأسيسيين، فلا نجدّ بدّاً من العودة إلى تلك (اللحظة) التي يمكن من خلالها رؤيّة ماذا فعل عفلق والأرسوزي فيها؟ مع التزامنا السرد التاريخي الذي يؤرخ (رسميّاً) لتأسيس الحزب، في 7 نبسان 1947، بوجود ميشيل عفلق، وغياب زكي الأرسوزي، الذي ابتعد عن العمل التنطيمي بعد فشل تجربته في مطلع الاربعينيّات والتحاق الأعضاء الذين كانوا فيها بتنظيم صلاح الدين البيطار وميشيل عفلق.
المؤسسان، الأرسوزي وعفلق، كانا ينتميان – قبل البعث – إلى (عصبة العمل القومي 1933 – 1939) المنبثقة من مؤتمرين عُقدا على التوالي عام 1931 في القدس: المؤتمر الإسلامي والمؤتمر العربي [1]، حيث يؤكّد الدكتور سامي الجندي، وهو من الأعضاء المؤسسين في الحزب أنَّ (البعث هو وارث عصبة العمل القومي إلى حدٍ بعيد. نواة تنظيمي الاستاذين الأرسوزي وعفلق الأولى، من هذا الحزب) [2]
في العام 1939، أسس الأرسوزي (الحزب القومي العربي)، بمبادئ مقتضبة أولها (العرب أمّة واحدة). يقول الدكتور سامي الجندي شارحاً وموضّحاً: (العرب أمّة واحدة. لم يقل أمّة عربيّة واحدة – يقصد الأرسوزي – ذلك أنّهُ عِرقيّ يؤمن بالأصالة والنبالة، أرستقراطي النزعة والفكر. العرب عنده قوم) [3]. ثم يعود الجندي لتأكيد هذه (العرقّيّة) ورسوخها عند المؤسس الآخر عفلق، وذلك مع إطلاق اسم البعث على التنظيم الذي أسّسه عام 1941، قائلاً: [كنّا عرقيين معجبين بالنازيّة، نقرأ كتبها ومنابع فكرها وخاصّة نيتشه (هكذا تكلّم زرادشت)، وفيخته (خطابات إلى الأمّة الألمانية)، و ه. أ . تشمبرلين (نشوء القرن التاسع عشر) وداره (العرق). وكنّا أول من فكّر بترجمة (كفاحي) [4]. ويشرح في هامش خاص متوسعّاً (ومن غرائب الصدف، أني كنت أبحث عن كتاب أسطورة القرن العشرين، للمنظّر النازي روزنبرغ، فلم أجد في دمشق إلاّ نسخة لموجز عنه، بالفرنسية، عند الأستاذ ميشيل عفلق، استعرتها من أحد تلامذته) [5].
وإذا كانت (العِرقيّة العربيّة) واضحة، عند الأرسوزي وعفلق سويّة، كما يؤكدها شاهد مباشر ومشارك في البدايات التأسيسية إلى جانبهما [6]، حيث ستكون هذه (العِرقيّة) مسؤولة عن رسوخ الفلسفة الاقصائيّة في فكر الحزب وسياساته التنفيذيّة لاحقاً، إلاَّ أنَّ (تلقيح) هذه العِرقيّة بـ (جينات دينيّة)، كان من اختصاص ميشيل عفلق على نحوٍ مُميز وخاص.
كتب الأستاذ عفلق العديد من المقالات، وألقى الكثير من الخطب والأحاديث التي تضمّنت، ذلك الالحاح الدائم على ضرورة وحتميّة الدمج ما بين (الإسلام) و (العروبة)، أي ما بين (الدين) و (القوميّة)، غير أنَّ الخطاب الذي ألقاه في الجامعة السّوريّة في 5 نيسان 1943، والمُدرج في مؤلفاته الكاملة بعنوان (ذكرى الرسول العربي) [5]، يعتبر النَصّ المرجعي، الذي فيه وعبره، تمّت عملية الّدمج في نسختها الأولى، والتي شكّلت المستند النظري للتيّار العربي الإسلامي عموماً.
ذكرى الرسول العربي، نَصٌّ متكامل بمستوى لغوي واحد، ذي إيقاع شعري أدبي، يحيله كبنيّة أسلوبيّة ويقرّبه من معنى (الخطبة) التي تُلقى من محراب مسجد، أكثر من كونه (خطاباً) علميّاً أو فكريّاً أو سياسيّاً، يُلقى من مِنَصّة جامعية.
نورد منه هذين المقطعين كمثالين: [7]
المقطع الأول:
الاسلام تَجَددُ العروبة وتكاملها: رجل من العرب بلغ رسالة سماوية فراح يدعو اليها البشر، ولم يكن البشر حوله إلاَّ عرباً فاستجاب للدعوة نفر قليل وقاومها اكثرهم، فهاجر مع المؤمنين وحاربه المشركون إلى أن انتصر الحق فآمن به الجميع. فملحمة الاسلام لا تنفصل عن مسرحها الطبيعي الذي هو أرض العرب، وعن أبطالها والعاملين فيها وهم كل العرب. مشركو قريش ضروريون لتحقق الاسلام ضرورة المؤمنين له، والذين حاربوا الرسول ساهموا في ظفر الاسلام كالذين أيدوه ونصروه.
إنَّ الله قادر أن ينزل القرآن على نبيه في يوم واحد، ولكن ذلك أقتضى أكثر من عشرين عاماً، وهو قادر أن ينصر دينه ويهدي إليه كل الناس في يوم واحد، ولكن ذلك لم يتم في أقل من عشرين عام، وهو قادر أن يظهر الاسلام قبل ظهوره بعشرات القرون وفي أية أمة من خلقه، ولكنه أظهره في وقت معين وفي حينه، واختار لذلك الأمة العربية وبطلها الرسول العربي. وفي كل ذلك حكمة، فالحقيقة الباهرة التي لا ينكرها إلاّ مكابر، هي إذن، أنَّ اختيار العرب لتبليغ رسالة الاسلام كان بسبب مزايا وفضائل أساسية فيهم، وأنَّ اختيار العصر الذي ظهر فيه الاسلام كان لأنَّ العرب قد نضجوا وتكاملوا لقبول مثل هذه الرسالة وحملها إلى البشر، وأنَّ تأجيل ظفرالإسلام طوال تلك السنين، كان بقصد أن يصل العرب الى الحقيقة بجهدهم الخاص وبنتيجة اختبارهم لأنفسهم وللعالم وبعد مشاق وآلام، ويأس وأمل، وفشل وظفر. اي أن يخرج الايمان وينبعث من أعماق نفوسهم، فيكون الايمان الحقيقي الممتزج مع التجربة، المتصل بصميم الحياة.
فالإسلام اذن كان حركة عربية، وكان معناه: تجدد العروبة وتكاملها. فاللغة التي نزل بها كانت اللغة العربية، وفهمه للأشياء كان بمنظار العقل العربي، والفضائل التي عززها كانت فضائل عربية ظاهرة أو كامنة، والعيوب التي حاربها كانت عيوباً عربيّة سائرة في طريق الزوال. والمسلم في ذلك الحين لم يكن سوى العربي، ولكن العربي الجديد، المتطور، المتكامل. وكما نطلق اليوم على عدد من افراد الامة اسم “وطني” أو “قومي” مع ان المفروض ان يكون مجموع الأمّة قومياً، ولكننا نخص بهذا الاسم الفئة التي آمنت بقضية بلادها لأنها استجمعت الشروط والفضائل اللازمة كيما تعي انتسابها العميق إلى أمتها وتتحمل مسؤولية هذا الانتساب، كان المسلم هو العربي الذي آمن بالدين الجديد لأنه استحضر الشروط والفضائل اللازمة ليفهم أنَّ هذا الدين يمثل وثبة العروبة الى الوحدة والقوة والرقي.
المقطع الثاني:
إنسانية الإسلام: ولكن هل يعني هذا أنَّ الاسلام وجد ليكون مقصوراً على العرب؟. إذا قلنا ذلك ابتعدنا عن الحق وخالفنا الواقع. فكل أمّة عظيمة، عميقة الاتصال بمعاني الكون الأزليّة، تنزع في أصل تكوينها الى القيم الخالدة الشاملة. والاسلام خير مفصح عن نزوع الأمّة العربية إلى الخلود والشمول فهو إذن في واقعه عربي وفي مراميه المثالية انساني. فرسالة الاسلام إنما هي خلق انسانية عربية. إنَّ العرب ينفردون دون سائر الأمم بهذه الخاصة: إنَّ يقظتهم القومية اقترنت برسالة دينية، أو بالأحرى كانت هذه الرسالة مفصحة عن تلك اليقظة القومية. فلم يتوسعوا بغية التوسع ولا فتحوا البلاد وحكموا استناداً إلى حاجة اقتصادية مجردة، أو ذريعة عنصرية، أو شهوة للسيطرة والاستعباد… بل ليؤدوا واجباً دينياً كله حق وهداية ورحمة وعدل وبذل. أراقوا من أجله دماءهم، وأقبلوا عليه خفافاً متهللين لوجه الله. وما دام الارتباط وثيقاً بين العروبة والإسلام، وما دمنا نرى في العروبة جسماً روحه الإسلام، فلا مجال اذن للخوف من ان يشتط العرب في قوميتهم.
الادغام الجراحي: العروبة جسدٌ روحه الإسلام!
تكثّف هذه العبارة، التي وضعها عفلق في (خطبته)، وأمست متداولة كـ (آية)، إلى جانب العبارة الأخرى التي قالها: (كان محمّد كل العرب، فليكن كلّ العرب اليوم محمّداً)، للتدليل على فرادة التيّار العربي الإسلامي، حيث تفصح عن ذلك الادغام الجراحي (العضوي؟) ما بين كائنين. ادغام سيُنتجهما على هيئة (كائن واحد). والعملية برمّتها لا تستبدل فعل (فصل) بفعل (وصل) في مبدأ: فصل الدين عن الدولة فحسب، بل تذهب نحو عملية دمج توحيدية كاملة!
ما هذه الجراحة (الاعجازية)، وكيف يمكن مقاربة هذا (الكائن)؟
إنَّ جسد العروبة، بما هو محدود بمكونات نهائيّة، يُفترض أن يكون أضيق من أن يتّسع لـ (الإسلام) بمكوناته غير المحدودة، وبما أنّه من غير الممكن (توسّيع) جسد محدود بحكم (النوع والعرق)، فلا بدَّ من اللجوء إلى (استئصال) جوانب من (اللا – محدود: الإسلام)، حتى يتمكّن الجرّاح الأيديولوجي، من (حشوه/ سجنه) في ذلك الجسد. ونظراً إلى عدم التوازن هذا ما بين (المكونين) سيلد (الرحم الأيديولوجي) كائناً مشوَّهاً: ناقص الجسد (بالطبيعة) وناقص الروح، بالجراحة ولضرورات حجم الجسد!!
عندما دخل (الجّرّاح الأيديولوجي) إلى غرفة العمليات لإجراء هذه العملية، ترك خارجها:
كل من هو غير عربي اتنياً.
كل من هو غير مسلم دينياً.
كل من هو غير مسلم وغير عربي.
وعندما خرج، كان بين يديه: (كائن مشوّه) منتفخ ومتوّرم من ضيق جسده، فكان على (الجرّاح) ولضرورات الدمج الاستغناء عن (الروح المكّيّة) والاكتفاء بالتشريع الوَضعي (المديني)، كي يستوي التوحيد ما بين الدين والدولة، ما بين العروبة والإسلام!!
منهجياً، نحن إزاء هويِّة مستولدة من (لعبة فكرويّة)، وليس من قراءة التاريخ ونشوء المجتمع وتطوره وملاحظة مكونّاته وطبيعتها وعلاقاتها وتفاعلاتها وشروط حياتها ومعنى وحدة مصيرها. (اللعبة الفكرويّة)، هي مَن تلتّحف (العنصريّة – العرقيّة)، ومَن تنتج (المُغلَقات والمعلّبات): الاتنيّة والدينيّة وسلالاتها، الطائفيّة والمذهبيّة. ولذلك تمارس مختلف الأساليب لإخضاع (الواقع) والتحكم به كي يصبح مطابقاً لـ (نظرتها) الواحديّة المستبدّة.
ستؤدي هذه الجراحة الايديولوجيّة في أحد أوجهها، إلى تسليّط المنظار الذي يرى المجتمع والأمة من عدستي: أكثريّة – أقليّة. بالمعنيين الديني والاتني، فيتم إنتاج المجتمع على هذا النحو و(يؤبّد) حالته وفق هذا القياس، وإن تمكّن من الحفاظ أحياناً على (وحدة) ما يوصف بها، إنما بسبب منسوب ضغط الدولة و(ثقلها) وليس بسبب من فلسفتها وقوانينها.
منطق: أكثريّة – أقليّة، يمارس نفسه بمنهج (تكاثري) تفتيتي، يتجّه من الأكبر نحو الأصغر. فإن تساءلت مثلاً من هي الأكثرية الدينية في الشام؟ فسيكون الجواب: الإسلام. ومن هي الأكثرية في الإسلام؟ فسيكون الجواب: الطائفة السّنيّة. ووفق هذا المنطق يتم ترتيب الطوائف والمذاهب، والقياس نفسه يتّم تطبيقه ولكن بعلامات أخرى على الاتنيات.
وعلى ذلك فإن أي (حق) تأخذه (أقليّة) لا توافق عليه (الأكثريّة) يكون بنظرها (اغتصاباً لممتلكاتها) وتعدّياً على شرعيّة سلطتها.
لهذا السبب تماماً: سيكون هناك (مسألة كرديّة) مستحيلة، غير قابلة للحلّ؟ وسيكون هنالك أقليّات دينيّة قلقة على مصيرها، وأكثريّات لا تؤمن بالتساوي مع من هو أصغر منها… وهكذا… في سياق مستمر ينتج التصادم الدائم، ويكرّس الفعل الإقصائي بإخراج الأكثريّة لـ (الأقليّة) من مكونات الهويّة، والاعتراف بها كـ (كمكّون: ضيف) والتحنن عليها بقبولها وإبقائها على قيد الحياة!
بهذا المعنى، أنتج (الكائن المشوّه) الناتج من دمج القوميّة بالدين / العروبة بالإسلام، أنتج تلك السلالة من الكائنات المشوّهة، والتي في النهاية تشكّل بمجموعها: هويّة مشوّهة، تعبّر عنها الأوصاف التالية مثلاً: عربي مسلم – كردي مسلم – عربي مسيحي – مسيحي سرياني – آشوري – كلداني – مسلم سنيّ – اسماعيلي – درزي – علّوي – أزيدي…
هذه هي فصولٌ من (اللعبة الفكرويّة)، التي في أحد أهم تطبيقاتها أنتجت (المشروع الصهيوني)، كما أنتجت (الهويّة النازيّة الألمانيّة) [ألهذا قال الدكتور سامي الجندي: كنّا عِرقيين معجبين بالنازيّة]؟؟
في أحد فصولها، تؤدي (اللعبة الفكرويّة – الايديولوجيّة: العربيّة الاسلاميّة) إلى إنتاج الإسلام كـ (دين) مطوّبٍ لـ (مالكيه: العرب)، وهو بالتالي: دين مغلق غير تشاركي!!
تعتبر سوريّة – الأمّة (الهلال الخصيب)، وبدرجة ما مصر، المثال التاريخي المتكامل على برهان تشاركيّة الإسلام، فالجسد السوري المفتوح دائماً بمحتواه ومعناه يؤمّن هذا البرهان الذي ينفيه (الجسد العربي) الضيّق بمحتواه ومعناه ومؤداه.
إنَّ ضرب المثال التاريخي السوري، والعمل على تدميره ونسفه، كما يحدث في الشام والعراق، من شأنه ضرب محتوى الهويّة السّوريّة، وفرز الإسلام وعزله والحكم عليه بالإقامة (وحيداً) دون شريك، وهي الحالة التي ترغب برؤيتها الجهات التالية: إسرائيل، تنظيم القاعدة، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، جبهة النصرة، العثمانيّة – التركية الجديدة…إلى مختلف المراكز العالمية التي تستثمر في هذه التنظيمات.
سورية من بداية تأسيس الدولة الأمويّة 662 م وحتى سقوط بغداد عام 1258 م بيد المغول ونهاية الخلافة العبّاسيّة، هي من أمّنت البعد الامبراطوري للدولة، وهي من جعلت تشاركية الإسلام واقعاً، ومصدراً لقوة الدولة ونزوعها الامبراطوري.
لو التزم الإسلام منطق (الجراحة الايدولوجيّة) للتيّار العربي الإسلامي المعاصر، لبقي مقيماً في قريش تتناتشه قبائلها وتتقاتل على ملكيته عشائر (العرب الأقحاح)، ولظلَّ سجين الصحراء وسرابها إلى الآن!!
رغم ذلك كلّه، سيتمكّن التيار العربي الإسلامي، و(كائناته: أحزابه وجمعيّاته) من اكتساب سمعة (علمانية) مزيفة ومضللة، ليست سوى حجاب للتشوّه الخلقي الذي فيه.
يتبع…
هوامش وإشارات
1-عصبة العمل القومي، تأسست في بلدة قرنايل في لبنان، عام 1933، بحضور شخصيات من مختلف أنحاء المناطق الّسّوريّة، ويشير خطار بوسعيد في كتابه (عصبة العمل القومي) إلى أنَّ العصبة تعتبر انبثاقاً من (المؤتمر العربي الذي انعقد في القدس 1931 … والذي كان إيذاناً بالعمل العربي المنظّم في سبيل القضية العربية. ولقد انبثق هذا المؤتمر العربي عن المؤتمر الإسلامي العالمي الذي انعقد في القدس في العام نفسه – ص 54).
الكتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – 2004 – الطبعة الأولى.
2-كتاب: البعث. الدكتور سامي الجندي، دار النهار للنشر، بيروت 1969. ص 20.
3-كتاب: البعث. مصدر سابق، ص 23.
4-كتاب: البعث. مصدر سابق، ص 27.
5-كتاب: البعث. مصدر سابق، ص 27.
6-سامي الجندي (1920 – 1995)، كان الدكتور سامي الجندي حاضراً في الحقبة التأسيسيّة لحزب البعث، مع كلا المؤسسين: الأرسوزي وعفلق، حيث بدأ مع الأرسوزي ابتداءً من العام 1939، ومن ثم مع عفلق والبيطار بعد العام 1941، وفشل تنطيم الأرسوزي، وقد كان حاضراً المؤتمر التأسيسي الرسمي (4 – 7) نيسان 1947. لعب دوراً بارزاً بعد وصول البعث للسلطة بعد 8 آذار 1963، حيث كان عضواً في مجلس قيادة الثورة والناطق الرسمي باسمه.
كتاب (البعث) الذي وضعه، يعتبر أهم مراجعة نقديّة في الأدب الحزبي عموماً، وقد اعتمدنا هذا المرجع الموثوق، علماً أني تجاهلت الكثير من الآراء التي سمعتها من الدكتور الجندي مباشرة، في لقاءات أجريتها معه في دمشق في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، لكونها شفوية غير مسندة، كما هو الحال في مرجعه المكتوب: البعث.
كتب وترجم العديد من الكتب منها: أتّحدى وأتّهم – عرب ويهود…
7-هذه النصوص، مأخوذة من الجزء الأول من المؤلّفات الكاملة للأستاذ ميشيل عفلق، والمعروف باسم: في سبيل البعث.