الموقف الألماني من قضية تأسيس دولة يهودية في فلسطين
رقم الوثيقة: 90 – E524081/7055
سري للغاية، برلين 22 حزيران 1937
أدت الاضطرابات في فلسطين في 1936 إلى إنشاء لجنة ملكية بريطانية برئاسة اللورد بيل. كان واجب هذه اللجنة أن تحقق في الشكاوى العربية واليهودية في فلسطين، وأن تجد الحل للنزاع العربي ـ اليهودي. وتقرير اللجنة ـ الذي كان قد اكتمل في تلك الأثناء ـ لم ينشر بعد. لكن أصبح من المعروف من تعليقات الصحافة أن التقرير يدرس أيضاً ـ على ما يظهر ـ فكرة تقسيم فلسطين إلى منطقة عربية وأخرى يهودية.
لا تزال الصحافة اليهودية ـ وكذلك في ألمانيا ـ منذ عدة أشهر تدافع بتعاطف عن إنشاء دولة يهودية أو على الأقل كيان سياسي بإدارة يهودية تحت الانتداب البريطاني، والتي بصددها تقوم الدعاية من أجل توسيع ممكن للأراضي اليهودية.
في الصحافة الأجنبية المتعاطفة مع اليهود، يقرع يهود العالم بطريقة ذكية طبول تأسيس دولة يهودية في فلسطين. وطبقاً لتقارير السفارتين البريطانيتين في ستوكهولم وهلسنكي، تقدّم قادة صهيونيون مشهورون من الحكومتين السويدية والفنلندية باقتراحات وحاولوا كسب الدعم لتأسيس الدولة اليهودية في فلسطين.
يتابع العالم العربي هذا التطور باهتمام كبير، ويحارب كل إجراء من قبل قوة الانتداب البريطاني التي يمكن أن تقوّي النفوذ اليهودي في فلسطين. والعالم العربي أيضاً يشرع بحشد الصحافة العالمية وجلب الانتباه إلى خطر الدولة اليهودية في فلسطين. وطبقاً للتقارير المتوفرة، تقف حكومات الدول العربية ـ وخاصىة حكومتا العراق ومصر ـ بصورة كاملة إلى جانب العرب في فلسطين.
لم يكن موقف مختلف الحكومات فيما يتعلق باحتمال تأسيس دولة يهودية في فلسطين واضحاً دائماً حتى الآن. والاقتراحات التي ستقدمها لجنة بيل إلى الحكومة البريطانية لا تزال حتى الآن غير مفهومة. ورداً على سؤال، قال وزير الخارجية البريطاني إيدن إلى السفير الألماني في لندن إن حل قضية فلسطين كان واحداً من أكثر المشاكل صعوبة في السياسة الخارجية البريطانية. في الواقع يمكن أن تكون قوة الانتداب البريطاني في موقف الوفاء الكامل للوعد الذي أعطاه بلفور أثناء الحرب لتأسيس “وطن قومي” يهودي في فلسطين، مع المراعاة الملحة لمشاعر العالم العربي من قبل الإمبراطورية. في هذه الظروف يمكن الافتراض أن هذه المراعاة قوية بما يكفي لاستقصاء أي حل يقدّر رغبات اليهود في الوقت الحاضر تقديراً كبيراً. ومن جهة أخرى، يجب عدم إهمال واقع أن اليهودية الدولية ـ خاصة في الولايات المتحدة الأميركية ـ تحاول أن تؤثر على قرار الحكومة البريطانية، ولم تكن تلك المحاولات دون جدوى.
اتخذ الرأي العام الإيطالي موقفاً واضحاً تماماً، ولكنه سلبي. في الآونة الأخيرة كان هناك عدد متزايد من تعليقات الصحافة الإيطالية توجه الانتباه الانتقادي إلى المسألة اليهودية حتى في إيطاليا. والموقف الإيطالي تجاه فكرة دولة يهودية في فلسطين يتقرر بالفعل بالعداء للسامية إلى حد أقل من الخوف أن تطوّر إنكلترا تشكيل دولة يهودية في فلسطين إلى خطة لسياستها المتوسطية. ويتبيّن أن هذا الخوف من دون أساس، من لغة الصحافة اليهودية التي تشير دوماً إلى الهوية اليهودية والمصالح البريطانية في فلسطين، بالرغم من أن ذلك لا يحدث إلا للفت نظر لجنة بيل واسترضائها. وقد يكون إعلان موسوليني الصداقة للعرب في مناسبة تسلمه “سيف الإسلام”(1) دلالة في الحكم على الموقف الإيطالي فيما يخص التطورات في فلسطين.
وإلى المدى المنظور حتى الآن، لا تتأثر المصالح الفرنسية المتوسطية إلى الدرجة نفسها بتأسيس دولة يهودية في فلسطين كما يتأثر مجال المصلحة الإيطالية. ومع ذلك، ليس من الممكن تحديد الموقف الذي ستتخذه فرنسا نحو حل تضعه إنكلترا أمام لجنة مندوبي عصبة الأمم بخصوص إعادة تنظيم فلسطين تحت الانتداب.
أدت هذه الأحداث التي سبق وصفها إلى إعادة النظر في الموقف الألماني فيما يتعلق بمشكلة تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين. حتى الآن كان الهدف المبدئي للسياسة اليهودية لألمانيا تشجيع الهجرة اليهودية من ألمانيا قدر الإمكان. ولتحقيق هذا الهدف تجري تضحيات في سياسة القطع الأجنبي. وعن طريق توقيع اتفاقية تحويل مالي مع فلسطين، الاتفاقية المسماة (هافارا)، يُسمح لليهود المهاجرين إلى فلسطين ـ من أجل توفير أسباب العيش ـ أن يطلقوا كميات محدودة على شكل صادرات ألمانية إضافية إلى فلسطين. هذا الموقف الألماني، الذي تمليه متطلبات السياسة الداخلية، يروّج في الواقع لدمج اليهود في فلسطين وبذلك يسرّع تطوير دولة يهودية في فلسطين. وقد يساهم هذا في وجهة النظر أن ألمانيا تؤيد تأسيس دولة يهودية في فلسطين.
لكن إبقاء اليهود متفرقين، في الواقع، ذو أهمية أكبر بالنسبة إلى ألمانيا. لأنه عندما لا يعود أي فرد من العنصر اليهودي مستقراً على الأراضي الألمانية، فإن القضية اليهودية تبقى من دون حل بالنسبة لألمانيا. لكن تطورات السنوات الأخيرة أظهرت أن اليهودية الدولية ستبقى بالضرورة عدواً إيديولوجياً، وبالتالي سياسياً لألمانيا الاشتراكية القومية. لذلك فالقضية اليهودية في الوقت نفسه تشكل واحدة من أهم المشكلات في سياسة ألمانيا الخارجية. لذلك هناك أيضاً اهتمام ألماني كبير في التطورات الجارية في فلسطين. لأن دولة فلسطينية لن تستوعب يهود العالم بل ـ إلى حد مشابه إلى مجال نشاط دولة الفاتيكان ـ سيتوفر لها موقع قوة إضافي بوجب القانون الدولي ما قد يكون له نتائج فاجعة على السياسة الخارجية لألمانيا.
بالرغم من أن التدخل الألماني المباشر في تطورات القضية الفلسطينية غير مخطط له، إلا أن السفارة الألمانية في لندن، مثلها مثل المفوضية الألمانية في بغداد والقنصلية الألمانية العامة في القدس، قد تلقت تعليمات تأخذ وجهة النظر هذه بالحسبان.
1 ـ أخبر السفير الألماني في لندن الحكومة البريطانية أن ألمانيا فعلاً قد شجعت هجرة اليهود إلى فلسطين إلى أكبر حد ممكن حتى الآن. ومع ذلك، كان من الخطأ الزعم أن ألمانيا أيضاً ستؤيد تأسيس كيان سياسي في فلسطين تحت قيادة يهودية إلى حد ما. وفي وجه الهياج المضاد لألمانيا من قبل اليهودية الدولية، لم تستطع ألمانيا الزعم أن تشكيل دولة يهودية في فلسطين قد يشجع التطور السلمي للأمم.
2 ـ تلقت المفوضية الألمانية في بغداد تعليمات بأن تعلن بصورة أكثر وضوحاً من السابق اهتمام ألمانيا في المطامح القومية العربية.
3 ـ تلقت القدس تعليمات مشابهة.
إن مدى التغيير في الإجراءات في مجال سياسة الهجرة الذي ستؤدي إليه تعليمات السياسة الخارجية هذه هو في الوقت الحاضر خاضع لفحص وإقرار السلطات المحلية الألمانية المختصة.
أطلب منكم أن تخبرونا في حال أصبح من الملاحظ هناك، أن اليهود يبذلون جهوداً لإثارة اهتمام الشعب أو الحكومة لصالح تأسيس دولة يهودية في فلسطين.
بالأمر من: فون بولوـ شفانتي
Von Bulow-Schwante
الهوامش
1 ـ أثناء زيارة إلى المستعمرات الإيطالية في شمال أفريقيا، قُدّم “سيف الإسلام” هدية إلى موسوليني في طرابلس يوم 18 آذار. في هذه المناسبة عبّر عن تعاطفه مع الإسلام والمسلمين في كل العالم.
الوثيقة منشورة في كتاب “العالم العربي في وثائق سريّة ألمانية”، ترجمة رزق الله بطرس. الناشر “دار الوراق”، لندن 2006.