المنظمات الأهلية تتفوق على الحكومات!

Share

تفوق المجتمع الأهلي على الدراسات واللجان والاجتماعات الطارئة، منذ بداية الزلزال. وظهر الناس عارفين طريقهم جيداً، وكأن الحيوية الاجتماعية استيقظت دفعة واحدة بعدما رزحت طيلة سنوات تحت تداعيات الحرب والحسابات الجزئية والعوامل الطائفية والتدخلات الخارجية. وكان أكثر ما يثلج الصدور هو مجموعات كبيرة من شباب الجامعات بعمر العشرين، وهم يؤسسون فرق عمل على السوشيال ميديا ويقومون بالتواصل وتأمين الاحتياجات بالسرعة القصوى، مع أنهم في المقياس العام فقراء ولا يملكون إمكانات تخولهم التصرف في حالات الكوارث الكبرى.

قوافل الإغاثة والفرق الطبية والمهندسون المختصون والصيدليات مع الفنانين التشكيليين والكتاب والممثلين، ظهروا جميعاً كحكومة أكثر خبرة وفاعلية من الحكومة المعروفة، التي تحتاج إلى ميزانيات كبيرة من أجل الاجتماع والتخطيط حتى لإرسال شاحنة صغيرة إلى المناطق المنكوبة. وكانت هناك عبرة طبيعية في الزلزال الحاصل الذي كانت النسبة الكبرى من ضحاياه من الشعب السوري، في اسكندرون السورية وفي الشمال والساحل والداخل. الزلزال سوري، وعلى السوريين أن يحسنوا التصرف بلا تنظير أو شعارات فارغة، بل بعامل الفطرة الطبيعية وحيوية المجتمع المنتمي إلى هذه الأرض.

لماذا تفوق المجتمع الأهلي بمنظماته البسيطة التي نشأت أثناء الكارثة، على الحكومة صاحبة الإمكانات اللوجستية وما يفترض أن تمتلكه من خبرات؟ الجواب بسيط بالطبع، إنها النزاهة والانسياق مع الشعور الطبيعي وما يمليه الضمير الوطني، وهي قضايا لا تحتاج إلى دراسات استراتيجية وأموال طائلة وعمليات فساد حتى تتحقق بالشكل الأمثل.

الحديث عن سرقة المساعدات وبيعها في السوق السوداء، حرك المجتمع الأهلي، ونزل بعض الشباب إلى الأسواق كي يصوروا ويفضحوا البائعين بعد تقديم شكاوى ضدهم. وبالفعل صار من يبيع أي مواد خاصة بالمساعدات يحسب ألف حساب لأي تجاوز. لم تكن مكافحة الفساد تحتاج سوى إلى مكافحة الفساد! سوى إلى قرار بضرورة مكافحته، حتى لا نقول إن من يتردد بفتح الباب لمكافحة الفساد وفضحه، يخاف من هذه العملية ومن تداعياتها التي يمكن أن تطال أسماء كبيرة.

المجتمع الأهلي أحسن التصرف، وأطلق عملية الشفاء الذاتي لمداواة النفس، وأولئك هم القادة الذين يفترض أن يكونوا مشرفين على عمليات التنمية وأن يُعيّنوا كرؤساء بلديات ومحافظين ووزراء ومخططين للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي. بالتأكيد لن يخلو الأمر من التجاوزات التي ستكون طبيعية في هكذا ظروف، لكن عدم معالجة التجاوزات وجعلها تتسيد الموقف هو الخطر الحقيقي الذي يفرغ كل شيء من محتواه.

لا يكاد المواطن المتضرر، يرفع سماعة الهاتف ليطلب مساعدة طبية أو عينية، حتى تأتيه الفرق من كل الجهات. لأن المجتمع عاد إلى طبيعته بعد أن غضبت الطبيعة، فطبيعة المجتمع كفيلة بمواجهة الطبيعة الكونية عندما يثقل عليها الإنسان بتجاوزاته التي لا تحتمل.

نطالب في هذه المرحلة أن يتم إحصاء مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي التي نشأت لمواجهة الكارثة، والاتصال بمديريها ومنظميها، وتكوين خليات عمل دائمة وإدارات. لابد أن يكون أولئك هم المسؤولون عن شؤون البلد لأنهم الأكثر نزاهة والأكثر فعالية كما أثبتت التجربة.

0
0