المظلة

Share

تعيد الفينيق نشر هذا المقال للأهمية.

“هناك تحرك صفائح تكتونية على المستوى السياسي العالمي، ينذر بتغيرات في النظام الدولي برمته، وما الحرب في أوكرانيا، سوى الهزات الأولية لهذا التحرك. إن لم يكن لنا وجود عبر مؤسسة ما، تستطيع ان تعبر عن مصالحنا في صراع القوى هذه، سيكون مصيرنا أسوأ مما حذرنا منه سعاده قبل الحرب العالمية الثانية.

“الغرب مع إسرائيل والشرق ليس ضدها، ونحن غائبون عن الملعب.”

اتصلت بي البارحة صديقة وطنية وناشطة مخلصة من أحد كيانات الوطن، لتعلمني بنيّتهم القيام بنشاط ما لكسر الحصار عن الشام، وسألت إذا كان بإمكان الجمعيات في كندا والولايات المتحدة المشاركة في عمل كهذا خلال أيام. قلت لها إني سوف أسعى، ولكني استبعد ان يكون هناك قدرة على التواصل والتنسيق للمساهمة في عمل كهذا خلال أيام؟

ولا أخفي القارئ أن جوابي أزعجني، والأرجح أكثر بكثير مما قد يكون أزعجها أو فاجأها. فلماذا يأخذنا كل هذا الوقت للمشاركة في عمل وطني يجب ان يكون بديهيا؟ الجواب هو أننا نفتقر إلى المظلة التنظيمية التي نستطيع العمل في ظلها لتحقيق ما هو مطلوب منا كحد أدنى، أو لتحقيق طموحاتنا، كائنا ما كانت هذه الطموحات. فما هي هذه المظلة التي نتكلم عنها.

قبل الجواب، دعونا نسأل هل ثمة حاجة لجهاز يتكلم باسم الجاليات الاغترابية، سواء سميتها سورية، أم لبنانية أم عربية، أم كلها معا؟ الجواب نعم. هل من الضروري ان تتفق كل هذه الجمعيات على كل الأمور؟ كلا. ما هو الإطار الجامع لها؟ حد أدنى من الرؤية وصيغة للتعامل مع المسائل طويلة الأمد التي تحتاجها جالياتنا الاغترابية، وصيغة للتعامل مع المسائل الطارئة مثل الزلزال الأخير، وقبله انفجار مرفأ بيروت وانهيار النقد في لبنان، والمآسي الاجتماعية التي تخلفها كل هذه الكوارث. هذه تكون مظلة للعمل الاجتماعي الخيري.

هل يمكن أن يكون لدينا مظلة للعمل السياسي؟ ليس فقط يمكن، بل لا بد. لماذا؟ لأننا في خضم أحداث سياسية هائلة، بل هناك تحرك صفائح تكتونية على المستوى السياسي العالمي، تنذر بتغيرات في النظام الدولي برمته، وما الحرب في أوكرانيا، سوى الهزات الأولية لهذا التحرك. إن لم يكن لنا وجود عبر مؤسسة ما، تستطيع ان تعبر عن مصالحنا في صراع القوى هذه، سيكون مصيرنا أسوأ مما حذرنا منه سعاده قبل الحرب العالمية الثانية.

هناك تخوف لدى الكثير من المحللين أننا دخلنا الحرب العالمية الثالثة، وأن ما ينتظر التفجير الكبير أو الإعلان عن هذه الحرب هو شرارة ممكن أن تحدث في أية لحظة. الكلام عن الحرب العالمية، خاصة بعد زيارة الرئيس بايدن إلى كييف، دفعني لنبش صورة لقادة الدول المنتصرة في مؤتمر يالطا. كانوا ثلاثة. على ما يبدو، ونتيجة الوضع الدولي السائد، هناك صراع لإضافة صورة لقائد رابع يمثل الصين، أو إزالة صورة لمن يمثل روسيا. هذا هو الصراع الحقيقي وسوف يكون له ارتدادات كارثية علينا. فنحن، في نظر هذه القوى، أوراق مساومة. “نعطيكم هنا، أعطونا هناك.”

ما علاقة مؤتمر يالطا بمظلة تنظيمية للجمعيات السورية في المغترب سواء أكانت اجتماعية خيرية أو سياسية.

ما يعنينا هنا أن هذا المؤتمر هو مؤتمر المنتصرين. هناك منتصر رابع لا يظهر في الصورة هو الحركة الصهيونية. هذه الحركة كانت قد ضمنت تعهدات من الإنجليز والأمريكان والفرنسيين والطليان والفاتيكان حول إقامتهم لدولة يهودية في فلسطين. وبعد ثلاثة سنين من هذه الصورة، سوف يعترف نصف العالم بها. هذه الحركة كانت “المظلة” لعدد من الشخصيات والجمعيات والمنظمات، التي تكلمت باسمها. هذه الحركة فاوضت، وقامرت، وخادعت، وعملت كل ما يلزمها لتحقيق أهدافها، وقد فعلت. فما الذي ينقصنا؟

ما ينقصنا هو القرار. ما ينقصنا هو الإدراك التام ان الوقت ليس في صالحنا. إن جيلنا في المغتربات يتساقط كأوراق الخريف. ولا يمكن لنا ان نقول، “بكرا ولادنا بيعملوا” أو “لننتظر أجيالا لم تولد بعد.” هذا هروب. إن لم نؤسس، اليوم، لمظلة تنظم أعمالنا وتوجهها، تخطيطا وتنفيذا ونجاحا، فإن أولادنا سوف يتبرؤون منا.

بالعودة إلى الحركة الصهيونية، مع كل مفصل تاريخي تتقدم هذه الحركة أشواطا. في منتصف الحرب الأولى، أخذت تعهدات دولية تمثلت بوعد بلفور. مع نهايتها حصلت على الانتداب البريطاني، تحت إشراف حاكم صهيوني. مع نهاية الحرب العالمية الثانية حصلت على التقسيم فالاعتراف. في الحرب الباردة عمّقت جذورها. في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة، لن نستبعد ان تقوم بأكبر عملية تنظيف عرقي، فالأرض مؤهلة وهي جاهزة لذلك. ماذا عن العالم؟ ماذا عنه؟ العالم قد تبلد لمثل هذه الجرائم وهذا النزوح بعد كل حدث في الشام وقبله العراق. الغرب مع إسرائيل والشرق ليس ضدها، ونحن غائبون عن الملعب.

هل مازلنا بحاجة لبحث ما إذا كنا بحاجة إلى مظلة تدير شؤوننا؟

0
0