المشبوه

Share

“المشبوه اسم مفعول من شَبَهَ ومعناها من يُشَكُ فيه.” والشكُّ هو “حالة نفسية يتردد معها الذهن بين الاثبات والنفي ويتوقف عن الحكم.” (قاموس المعاني) المشبوه إذن هو شخص نتردّد حياله بين النفي والإثبات فيتوقف ذهننا – عقلنا عن الحكم تجاهه. والشبهة سلاح. ولكنها سلاح في يد الجبان الخسيس الذي لا يجرؤ على المواجهة فتراه يزرع الشبهة بالمخلصين بين صغار العقول فتتوقف أذهانهم البليدة عن الحكم. وما قيمة الانسان – العقل الإنساني إذا توقف عن الحكم، إذا توقف عن العمل، إذا تبلّد؟

مناسبة هذا الكلام مجموعة أقوال وصلتنا بالتواتر في الأيام القليلة الماضية مفادها أن مجلة “الفينيق” مشبوهة، وكذلك القيمون عليها. إنهم مشبوهون. مصدر هذا الكلام، على ذمة الراوي، مصادر في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

ليس من عادتنا الرد على الاشاعات، فهذا في حد ذاته ما يريده صاحب الاشاعة. إنه يريد ان يضعك في موقع الدفاع بحيث تنفي “الشبهة.” هذا ما لن نفعله. ولكننا سوف نحلل الفعل وصولا إلى الفاعل.

الغرض من رمي شخص بالشبهة هو إبقائه في حالة انعدام الوزن. فالشبهة، كما سبق وذكرنا، تترك الانسان في حيرة من أمره. وهذا تماما ما يريده من يرمي الشبهة. في المجتمعات والمنظمات الراقية، تُعتبر الشبهة حالة موقتة. إنها حالة بين الشك واليقين يجب ان تزول بسرعة. والشخص المشتبه به، في المجتمعات الراقية لا يخسر أي من حقوقه. إنه بريء بشكل جلي إلى أن تثبت إدانته بشكل جلي. ولكن المشرّع في المجتمعات الراقية يعرف أن القانون الذي يكفل براءة المشتبه به إلى ان تثبت إدانته، لا يحميه من أذى الشبهة والشك. فشرّع بأن تكون محاكمة المُشتَبَه به في أسرع وقت ممكن وفي محكمة علنية بحيث تأخذ العدالة مجراها في وضح النهار. فإن تأخرت المحكمة بالنظر في القضية سقطت التهمة رسميا.

منطق الشبهة هو عكس هذا تماما. إنه لا يريد جلاء ولا يقينا، ولا محاكمة ولا حكمًا. إنه لا يريد حتى إدانة. فالإدانة ينتهي مفعولها عند صدورها أو بعده بقليل. “فلان سَرَقَ فسُجن”. ينتهي الموضوع هنا. يدفع المجرم دينه للمجتمع ويخرج بعد فترة لكي يُعيد تأهيل نفسه. مُطلِقُ الشبهة يريد ان يبقى الشك إلى ما لا نهاية. من هنا هو لا يحدد، ولا يبيّن، ولا يرفع دعوى قضائية. لا، إنه لا يفعل أيّا من هذا. إنه يكتفي بإطلاق الاوصاف الغامضة. “القيمون على الفينيق مشبوهون!” ما هي الشبهة؟ لا يهم. “هناك مآخذ على فلان”. ما هي المآخذ؟ إنها مآخذ. الغرض هو إدخال الشك إلى النفوس، فتتعطل الاحكام – عند البعض – وتتعطل الإمكانيات.

الذي يرمي الشبهة ماكر ويعرف تماما ماذا يريد. إنه يريد ان يضرب اليقين بالشك. لماذا؟ لأنه أضعف من أن يواجه خصمه وجها لوجه. فإذا أخذنا مَثَلَ الفينيق، وجدنا انها مجلة تعلن أنها تُعنى بالفكر القومي الاجتماعي. وإذا نظرنا إلى كتّابها، وجدنا أنهم سوريون قوميون اجتماعيون. وإذا قرأنا مقالاتها وجدنا انها لا تخرج عن الإطار المرسوم لها، ولا عن قناعات كتّابها. أين المشكلة إذًا؟ المشكلة أن منطق الفينيق هو منطق السوري القومي الاجتماعي المناقبي والأخلاقي، الذي لا يسكت عن انحراف، ولا عن كذب ولا عن صنمية ولا عن فساد. هذا لا يناسب من تنتقد الفينيق مسارهم. فما العمل؟ نفصلهم عن جسم الحزب. ولكن هذا يعطي مفعولا عكسيا. فقرّاء الفينيق يتزايدون. واحترام الناس لكتابها يتزايد مع كل عدد ومع كل مقال. ماذا نفعل؟ نرميهم بالشبهة.

في أحد حلقات المسلسل التلفزيوني الشهير، “رجال مجانين”، Mad Men، يقول بطل الحلقة، “إذا لم يعجبك موضوع المحادثة، غيّره.” هناك موضوعان يتجاذبان القوميين منذ أمد بعيد. هناك من يسأل، “ما الذي جلب على حزبي هذا الويل”؟ “كيف دخل الانحراف والفساد والصنمية إلى حركة جاءت لتحارب هذه الآفات الثلاث؟ ولماذا يسكت القوميون عنها”؟ “لماذا لم يحقق الحزب غايته ولماذا لم تنتصر قضيته بعد”؟ “لماذا لم نصل لأن نكون حركة الشعب العامة كما أراد سعادة”؟ “ما هي الشروط الضرورية لذلك”؟ وهناك من يصر على تجاهل هذه الأسئلة بالقول، “إن الدنيا في ألف خير، وإن الحزب ينمو، ويقاتل، ويخوض غمار السياسة، ويقيم الاحتفالات، وإن من لا يرى هذه الأمور هو إنسان موتور مشبوه. إنه عدّو يجب محقه، بالفصل، او التشهير، أو الاشاعات، أو ما هو أكثر”.

مع الأسف، فإن الموضوع الثاني هو الطاغي. والفينيق تحاول أن تغيّر موضوع البحث بالتركيز على الأسئلة أعلاه. والقيّمون عليها يدركون أنه من الضروري جدا ان تصبح غاية الحزب، وكيفية تحقيقها مادة للنقاش والبحث بين القوميين. أنه من الضروري ان يرتفع مستوى النقاش من المواضيع السياسية البحتة إلى موضوع منطلق وضع السياسات والغرض من السياسات. إن الفينيق تركّز على الأسئلة الكبرى التي دعانا سعاده إلى التفكير بها: “كيف نرقي حياتنا؟ ما هي المثل العليا التي نختارها لحياتنا؟ كيف نُخرج سورية من الموت إلى الحياة؟ هل سورية هي مسؤوليتنا أم مسؤولية سوانا؟ هل هي مشاع؟ ومثلها الكثير.

الفينيق لن تتوقف عن طرح هذه الأسئلة.

إذا كانت هذه هي الشبهة إيها السيدات والسادة، فلن نردها. إننا نفتخر بها.

0
0