المحبة والإخاء القومي سرّ الثبات ووسيلة الانتصار

Share

“الإخاء القومي” هي العبارة/ المشروع المناهض للهوية الطائفية المولدة للهوية الكيانية الوهمية.

لقد قام المشروع الغربي التقسيمي بعد الحرب العالمية في منطقة “سورية الطبيعية” على أمر أساسي هو خلق الهويات الطائفية والإثنية عبر عملية تزوير ممنهج للتاريخ، على سبيل المثال لا الحصر، انتزاع تاريخ الأمة السورية (أكثر من 6000 سنة حضارة) وتقزيمه على مساحة الكيان اللبناني وربطه بالإثنية الفينيقية كما جاء بعدة خطابات لبشير الجميل. تعمل الفئات التي تبنت هذا المفهوم وبشكل مقصود إلى تجاهل أن “الدولة الفينيقية” كانت تمتد على كافة الساحل السوري من لواء اسكندرون في الشمال حتى الساحل الفلسطيني الكنعاني مرورًا بمناطق الكيان اللبناني الساحلية. وهذا أكبر دليل أن “فينيقيا” لا ترتبط بالهوية الكيانية اللبنانية. ومما يتجاهلوه أيضًا أن الفينيقيين كانوا يتفاعلون مع دول/اثنيات سورية أخرى وكانوا يتحالفون معها للتصدي للأخطار الخارجية.

ندخل هنا على أهمية الإخاء القومي والمحبة القومية ودور الحزب القومي فيهما:

شكل الحزب القومي في جسمه التنظيمي المثال الأول على الإخاء القومي عبر انتشاره في كيانات الأمة السورية كافة خاصة (لبنان، الشام، الأردن وفلسطين) وفي جميع المناطق وضمن جميع الطوائف والمذاهب. فشكل الدليل القاطع الأول أن التفاعل والحياة الواحدة ممكنين وأن المعتقد الديني أو النسب الإثني والعرقي أو الهوية الكيانية المصطنعة لا يشكلون حاجزًا بين أبناء الوطن الواحد الذي تشكل من بيئة طبيعية واحدة وحدود طبيعية واحدة تميزه وتحميه.

بل إن تجربة الحزب القومي تمددت حتى شملت من هم من غير القوميين وحتى من هم من أخصام الحزب في حالات كثيرة، فكان القوميون وما زالوا يمدون يد العون والمساعدة في أحلك الظروف إلى أبناء شعبهم معبرين عن حقيقة الإخاء والوجدان القوميين.

هنا نصل إلى المحبة القومية ووحدة الاتجاه والإصرار الذين حموا الحزب ومنعوا القضاء عليه رغم كل ما مر عليه من انقسامات وانكسارات كانت أغلبها بأيدٍ خارجية (من خارج الحزب).

ما يميز الحزب القومي هو السير بقرار واحد في أغلب فترات تاريخه حتى عند وقوع الاختلاف الحاد في الرأي بين قياديي وأعضاء الحزب فكان الجميع يسير ويلتزم بالقرار الحزبي عند صدوره خاصة إذا حمل توجهًا خطيرًا يضع الحزب بين احتمال الانتصار وبين الخطر الوجودي الكلي. وكان القوميون ينسون أي خلاف وكان كل بيت قومي هو بيت الأمة ومقرًا للاجتماعات ومنطلقًا للعمليات العسكرية وملجأ للقوميين عند ساعات الخطر.

فعند سجن قيادة الحزب وآلاف القوميين بعد انقلاب 1961-1962 تمكن القوميون بعد فترة من إنشاء قيادة طوارئ سرية خارج السجن رغم الملاحقات المستمرة وكانت هذه القيادة تتواصل مع القيادة داخل السجن وتتلقى منها التوجيهات. وقد شكل القوميون داخل السجن صفوفًا نظامية مبهرة داخل المهاجع أظهرت التماسك وحيرت السجانين وأخافتهم في نفس الوقت.

حتى يومنا هذا ورغم كل ما حصل وما يحصل، ما زلنا نرى القوميين قلبًا واحدًا عند كل حدث، فعند استشهاد الرفيق أحمد الأيوبي ورغم الخلاف الداخلي العاصف، اتحد القوميون وثاروا غضبًا على هول الحدث فكان الدم القومي هو الرابطة التي انتصرت على الفئوية والانقسام.

ونرى الرفقاء أيضًا كيف يركضون لتأمين وحدات الدم والمساعدات المالية أو الجسدية لكل رفيق أو صديق للحزب أو حتى من خارج الحزب. ولنا في تبرع الرفيق شوقي يونس بكليته للرفيق حسين سليم أيضًا مثالاً إضافيًا على صدق الانتماء القومي والمحبة القومية والالتزام بالقسم (وأن أقدم أي مساعدة ممكنة لأي رفيق متى كان محتاجًا إليها.) ونرى اندفاعهم لإطفاء الحرائق وللزراعة وتنظيف الأحراج والشواطئ. ونرى وقوفهم إلى جانب أبناء شعبهم ومطالبتهم بحقوق هذا الشعب.

بعد كل هذه التجارب، يجب تطوير المفهوم العملي إلى محاربة النزعة الفردية محاربة شرسة، كل منا داخل نفسه وداخل المجتمع، فلا يكفي أن نجتمع عند الخطر الداهم. بل يجب أن نجتمع على الخطة والعمل وعلى المشروع وأن نحافظ على وحدة الاتجاه القائمة على المسلمات التالية:

  • محاربة العدو الصهيوني والاحتلال التركي وأي احتلال خارجي في أي بقعة من أرضنا واستمرار الدعوة للوحدة القومية وللنظام القومي الاجتماعي.
  • محاربة الأنظمة الطائفية الرجعية خاصة في لبنان واستمرار القيام بالدور الوحدوي المجتمعي.
  • التمسك بالمبادئ الإصلاحية للحزب والأخذ بعين الاعتبار الأطراف التي تتبناها، محاولين زيادة نقاط الالتقاء والتعمق في الخطط التطبيقية المشتركة.

في الختام، يجب أن نحافظ على هذه الروابط مهما اختلفنا في الرأي. فالهوية والانتماء يجمعاننا ويجب أن يستمر الإخاء القومي وتستمر المحبة القومية لأنهما فعلاً، الرابطة الأعظم، سر الثبات ووسيلة الانتصار.

0
0