المجابهة الأميركية الإيرانية نحو جولة حاسمة!

Share

احمد اصفهاني

 

لم تهدأ جولات المجابهة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران منذ انتصار الثورة ضد نظام الشاه سنة 1979، وما رافقها من احتجاز لموظفي السفارة الأميركية في طهران. ومع أن اتفاق الجزائر في كانون الثاني سنة 1981 أنهى أزمة الرهائن الأميركيين، ونصّ في أحد بنوده على إعادة العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى طبيعتها، إلا أن الأوضاع الأميركية ـ الإيرانية لم تعد إلى سابق عهدها… وإن كانت قد شهدت تذبذباً في التواصل ظلّ مرهوناُ بالظروف أكثر مما هو مرتبط بخطط ومشاريع استراتيجية.

إن تخلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق النووي ليس المرة الأولى التي تتراجع فيها واشنطن عن تعهداتها والتزاماتها. ففي سنة 1984، أقدم وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز على خرق “اتفاق الجزائر” بالإعلان عن حزمة عقوبات ضد إيران بحجة “تورط طهران في عمليات إرهابية”. ومع أن وزارة الطاقة الأميركية اشترت نفطاً إيرانياً سنة 1987 بسبب تدني أسعاره آنذاك، إلا ان الكونغرس الأميركي وضع حداً لذلك عندما سنّ قانوناً يحظر استيراد أية بضائع إيرانية. ومنذ ذلك التاريخ، والعقوبات الأميركية تتراكم بحجج شتى.

ترامب-روحاني

وقبل المضي قدماً في تحليل الحالة الراهنة بين أميركا وإيران، لا بد من الإشارة إلى أن العقوبات المفروضة نوعان: عقوبات تفرضها الأمم المتحدة وتوجب ـ نظرياً ـ الالتزام العالمي بها. وأخرى تفرضها دول وكيانات لا تلزم أحداً سوى القائمين بها. كما أن العقوبات التي طبقت بحق إيران خلال العقود الأربعة الماضية تتعلق بملفات عدة قد لا تكون مترابطة: القيام بأعمال “إرهابية”، دعم منظمات “إرهابية”، “التدخل” في دول الجوار، حقوق الإنسان في الداخل، تطوير البرنامج الصاروخي، البرنامج النووي… وهكذا.

ولأن الغرب الأميركي ـ الأوروبي حاول دائماً الربط بين هذه الملفات، فقد اصطدمت مساعيه التفاوضية مع إيران بحائط مسدود. فقط عندما تم التركيز على الملف النووي تحديداً، تمكن المفاوضون من التوصل إلى اتفاق “غير مثالي” من وجهة نظر جميع الموقعين عليه، إلا أنه يساهم في خلق أجواء من الثقة تفسح المجال لاحقاً للتعاطي مع الملفات الإشكالية الأخرى. وكان الاتفاق إقراراً غير مباشر من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه من الممكن فتح قنوات اتصال مع طهران للبحث في ملفات أخرى إقليمية تهم البلدين. وبالفعل ظهرت بوادر خجولة في هذا المجال، إلا أن هزيمة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية سنة 2016  قضت على هذه البوادر في مهدها.

نعود إلى العقوبات الأميركية السابقة والحالية لنطرح السؤال الجوهري التالي: ماذا تريد واشنطن أن تحقق من هذه العقوبات؟

دعونا نشدد على أن فرض العقوبات، من حيث المبدأ، يسعى إلى تحقيق أحد الأمور التالية:

  • مجرد إيلام الجهة الخاضعة للمقاطعة ثمناً لفعلتها. (كوريا الشمالية نموذجاً)
  • إجبارها على التراجع عن فعلها، ومنعها من تكرار ذلك. (روسيا في شبه جزيرة القرم وجورجيا نموذجاً)
  • إحداث تغيير في سلوكها وتعاملها مع محيطها ومجتمعها الدولي. (كوبا وليبيا وفنزويلا نماذج)
  • تشديد الخناق بهدف تغييرها أو تدميرها. (ليبيا وسوريا وقطاع غزة نماذج)

ما أقدمت عليه إدارة ترامب ليس فقط الخروج من الاتفاق النووي الذي يحظى بإجماع دولي، بل هي أعطت الملفات الأخرى أولوية مطلقة ولو من باب إعادة التفاوض حول بعض بنود الاتفاق النووي الموجود. يقول المسؤولون الأميركيون إنهم يريدون البحث في مسألتين أساسيتين: برامج التسليح الإيرانية، خصوصاً الصواريخ البالستية. والدور الإقليمي الذي تلعبه طهران في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن…إلخ. ومع أنهم يصرحون بأن هدف العقوبات ليس “تغيير النظام” وإنما “تغيير سلوك النظام”، فإن التشدد في العقوبات وتطبيقها ضد كل دولة تتعامل مع إيران لا يترك مجالاً للشك في أن النوايا الأميركية الحقيقية تتجاوز كل ما هو معلن حتى الآن.

يجب أن لا نقلل أبداً من خطورة العقوبات الأميركية في دفعتها الحالية، والأخرى القادمة في تشرين الثاني المقبل. ويجب أن لا نقلل أيضاً من قدرة إيران على مواجهة هذه العقوبات، وهي التي راكمت خبرات الصمود خلال أربعة عقود من العقوبات والحصار الاقتصادي المرير. وكذلك يجب أن لا نقلل من أهمية متغيرات التوازن الاستراتيجي العالمي حيث نزعة “أميركا أولاً” بدأت تبلور واقعاً دولياً جديداً محوره الموازي يتمثل في التنسيق الروسي الصيني. (أوروبا قلقة لكنها غير جاهزة للخروج من عباءة واشنطن)!!

سياسة ترامب تجاه إيران تتحرك ضمن سقفين: الأدنى “تغيير سلوك” طهران وإجبارها على التفاوض حول مجمل الملفات الإقليمية. والأعلى العمل على “تغيير النظام”. طبعاً القرار النهائي الحاسم ليس في يد الإدارة الأميركية وحدها، مهما صعّد ترامب في تغريداته وتهديداته. ذلك أن نتائج العقوبات وما قد يرافقها من تحركات إيرانية تجاه روسيا والصين وأوروبا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، هي التي سترسم مسار جولة المجابهة الجديدة التي ستكون حاسمة على أكثر من صعيد.

لندن في 11 آب 2018

 

0
0