يتفق علماء اللغة أن العربية تشهد مواجهات ثقيلة في ظل التكنولوجيا وانتشار أسلوب الرموز في التعبير وتسلل مفردات اللغات الأجنبية إليها. وبالعودة إلى سنوات سابقة لم تكن التكنولوجيا منتشرة بهذا الشكل، كان الضعف في اللغة العربية مشكلة تعاني منها الأجيال، حتى اضطرت وزارات التربية إلى جعل هذه المادة مرسبة في الامتحانات السنوية بحيث يفرض على الطالب إعادة السنة كاملة إذا رسب في مادة اللغة العربية.
هذه الإجراءات لم تنجح في حماية اللغة بالشكل الكافي، فالطلبة ظلوا يعانون من تعقيدات النحو وكتابة الهمزات خاصة طلاب المجالات العلمية الذين يدرسون موادهم باللغات الأجنبية كالانكليزية والفرنسية. ورغم أن وزارات الثقافة والتربية العربية فرضت حملات تعريب لأسماء الأماكن واللافتات، كما قامت بتعريب المناهج العلمية مثل الطب والصيدلة والهندسة، إلا أن هذه الخطوات تراجعت لاحقاً ولم يعد المجمع المركزي للغة العربية يجتمع كالعادة لمناقشة أحوال اللغة، واقتصرت اجراءات الحماية على الخطة التي تضعها كل دولة منفردة.
اليوم في ظل وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الأمر أكثر خطورة وصعوبة، فالجيل الشاب يستخدم رموزاً يصعب فكها للتواصل، كما يخترع مصطلحات تعبر عن معان معينة غير موجودة في قاموس العربية. يضاف إلى ذلك جملة الأخطاء اللغوية التي لا تميز بين الهمزات أو ياء المؤنثة المخاطبة أو غيرها من قواعد الإملاء.. فهل اللغة العربية على جانب كبير من التعقيد أم أن أسلوب تدريسها يحتاج إلى سلاسة أكثر؟ أم إن الزمن تجاوزها ومجامع اللغة قصّرت في تطويرها؟
صحيح أن العامل الديني ساهم في الحفاظ على اللغة العربية طيلة هذه السنوات التي مرت بها الشعوب العربية بمرحلة الانحطاط الثقافي، لكن قراءة الكتب الدينية اقتصرت فعاليتها على الحفظ الشفهي لحالات اللغة وبقي الطلاب عاجزين عن معرفة مواقع الكلمات من الإعراب وفق القواعد النحوية. امتحان اللغة العربية يعتبر الأصعب بالنسبة لطلاب البكالوريا العلمي لأنهم يركزون أكثر على الفيزياء والرياضيات، ويبرر بعضهم ذلك بالقول إن اختصاصنا ليس أدبياً وبالتالي لا معنى لتعمقنا باللغة بهذا الشكل الذي يطالبنا به المنهاج. هذا الكلام لا يبدو مقبولاً في الأجندات التربوية والثقافية، فجميع الدول في العالم تعتني بلغتها وتتمسك بها ويرفض أبناؤها أن يجيبوا على تساؤلات الغرباء في الشارع إذا كانوا يتحدثون بلغة أخرى غير لغة أهل البلد. صحيح أن اللغة وسيلة للتفاهم، لكنها حاضنة ثقافة الأمة وهي وليد تفاعل طويل الأمد بين الناس والبيئة، لذلك فهي ليست شعاراً أو حالة مؤقتة يمكن استبدالها دون المساس بالهوية الوطنية والقومية لأي شعب بالعالم.
دخلت اللغة العربية إلى سوريا وبقية الدول العربية تحت راية العامل الديني، فازدهرت وطغت على غيرها من اللغات المحلية التي كانت سائدة كالسريانية والآرامية والمصرية القديمة، ومع مضي مئات السنين حتى اليوم، أصبحت العربية اللغة الرسمية التي يربطها الكتاب والمفكرون بهوية الأمة وتعتبر رمزاً من رموزها، لكننا من الجانب العلمي لابد أن نشير إلى نقاط هامة تتعلق بوجود أمم تتحدث لغة واحدة لكن كل واحدة منها تشكل أمة منفصلة، مثل الدول التي تتحدث الانكليزية، وبالمقابل فإن هناك دولاً تتحدث شعوبها عدة لغات ولهجات، لكنها تبقى أمة واحدة غير مجزأة بسبب تنوع اللغات لديها. إذن اللغة يمكن أن تتطور وتتبدل بعامل الظروف والأحداث والاحتلالات والتجارة وغيرها.. في العصر اليوناني كتب السوريون باليونانية لكنهم لم ينسوا لغتهم الآرامية، وعند انقضاء ذلك العهد عادت اللغة الأصلية إلى الحضور كأن شيئاً لم يكن. اليوم تتحدث منطقتنا باللغة العربية وهي لغة التدوين والأدب، مع وجود لغات محلية انحسرت نتيجة الفتوحات أو الغزوات الإسلامية، وأصبحت اللغات القديمة مكان اتهام إذا حاول أحد أن يعيدها إلى الحياة عبر الكتابة أو إقامة الدورات التعليمية للطلاب. كل ذلك ينطلق من اعتقاد البعض أن اللغة هي الدين، وأن من يحاول المساس باللغة يمس بالدين، وتلك نظرة غير صحيحة أبداً، لأن الإسلام انتشر في كثير من الأماكن التي لا تتحدث العربية اليوم، فهل يمكن أن نتهم مسلمي الصين وبنغلادش وماليزيا بأنهم منحرفون لأنهم لا يتقنون العربية؟
النظريات القومية التي مجدت اللغة، لم تميز بين العوامل التي تنشىء الأمة، والعوامل التي تنتج عن تفاعل الأمة عبر الزمن، وكان اللجوء إلى إثبات وجود الأمة العربية عبر انتشار اللغة العربية دليلاً ضعيفاً لأن هناك في العالم أكثر من بلد واحد يتحدث عدة لغات، وعدة بلدان تتحدث لغة واحدة، وهذا الأمر لا يغير من واقعها القومي شيئاً.
يتعامل البعض مع اللغة الآرامية والسريانية وكأنها دخيلة على الأمة، فتتم محاربتها ويتعرض المدافعين عنها إلى اتهامات غير مفهومة رغم أنها ابنة الثقافة السورية وهي اللغة الرسمية حتى عهود طويلة، وقد أثرت هذه اللغة بالعربية تأثيراً كبيراً نتيجة التأثير الحضاري للسوريين في عموم المنطقة ومنها الجزيرة العربية. في كل الأحوال فإن اللغة لا يمكن أن تخضع لقرار يقضي بالانتشار أم لا. فالتاريخ يقول إن الشعوب عادت إلى لغاتها رغم مرور زمن طويل من تعاملها بلغة أخرى تحت عوامل قسرية. ومن يدري ربما تؤثر عوامل التكنولوجيا وضعف الأجيال باللغة العربية إلى انعطافات غير متوقعة في هذه اللغة مستقبلاً، وهذا لن يعني انسلاخاً عن الأمة بل مواكبة لتطورات فرضها العصر.
1 Comment
هل وُجدت الكتابة العربية (الكتابة) المقصود اين أقدم نص /مخطوط/على حجر او خشب او جلد…موجود او مكتشف حتى الآن… هل في ارض نجد والحجاز /مكة/ المدينة او ما اصبح متعارف عليه بشبه جزيرة العرب اما أقدم نص كتابة بالعربية ..موجود/ مكتشف في ارض سورية الطبيعية…
ما معناه اذا الكتابة العربية هي من صنع سوري (كما هو معلوم حتى الآن….) أقدم نصوص موجودة في ارض سورية وليس في ارض نجد/الحجاز…الخ من ارض شبه الجزيرة العربية…. فيكفي التعب والجهد لإلغاء او اضعاف الكتابة بالعربية… لأن المتابعة على هذا المنوال… أمكن لدولة العدو (الإسرائيلي/اليهودي/الصهيوني/العبري/ من تجديد الكتابة الآرامية واعتبارها عبرية.. وهناك من يتفذلك ان السريانية (كتابة) هي أقدم من العربية (كتابة) ما هذا!!!! لكن الآرامية (كتابة) هي أقدم من السريانية (كتابة)… أعلاه يبقى صحيحا… حتى يكتشف كتابات (بالآرامية والسريانية والعربية) لها من القدم ابعد او خارج حدود الوطن السوري.