خمسة وأربعون عامًا من العمل الإبداعي، بدأها طالبًا في المعهد العالي للفنون المسرحية، ليعود رئيسًا لقسم التمثيل فيه، ثم مديراً لمهام عمادته مرتين.مخرج مسرحيٌّ ذو مشروع متجدد، ممثل انتقائيّ بارع، وشخصية قيادية تستحق ما نالته عبر مسيرتها الفريدة من جوائز وتكريمات.
الدكتور تامر العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية ضيف “الفينيق” في حوارٍ ثريّ وممتع عن تجربته الإدارية، الأكاديمية، المسرحية والدرامية:
- أيّ علاقة وطيدة تجمعك مع المكان الأكاديمي العريق؟ وماهي الإنجازات الإدارية أو الأكاديمية التي تحققت خلال تسلمك لمسؤولياتك في المعهد؟
ما الحديث عن سنواتي في المعهد، إلا اعتزاز بالتراكم صاحب الفضل في تطوير المعهد من قبلِ الأكاديميين الفاعلين، سواء على صعيد الإدارة أو العمل الأكاديمي. لا يمكنني البتُّ بالانجازات لكني أشير لنقلات جيدة حققتُها خلال فترة عمادتي الأولى، لتتضح أكثر خلال هذه الفترة. أحسب أنّ الخط البياني المتصاعد للمعهد هو جزء من مشروعٍ تبنيته لتطوير العملية الإبداعية وآليات التدريس. فقد تم توسيع الأقسام لخمسةٍ تتسم بالنهضة والنتاج الخلاق. قسم الدراسات، الفنون الصوتية والضوئية وقسم السينوغراف إضافة إلى القسمين الأولين التمثيل والرقص. حتى بات خريجونا متواجدين في سوق العمل بحضورٍ مؤثر.
الفن الإبداعي لا يجيز الوساطات
• الكثير من الشباب يحلمون بالنجومية عبر الدراسة في المعهد، لكنهم يتحدثون دائماً عن “الواسطات والمحسوبيات” في قبول الطلبة المتقدمين الذي يحاولون تأمين “التوصية” قبل التقدم للامتحان. هل تعانون من بعض التدخلات لفرض أسماء معينة؟
الطموح أمر مشروع. وأتفقُ معكِ بأن المتقدم يعتقد بأهليته للدراسة في المعهد. لكن الكلمة الفصل هي للموهبة ولاختبارات القبول بإشراف لجانٍ جديّة مختصة، لجان ليست بامتحانية بقدر ماهي اختبارية باحثة عن المتميز. لا أود الظهور كطوباويّ، فلا بد من ورود توصياتٍ وتزكيات، لكني أجزم بعدم وجود أي تدخلات احترامًا لآليات العمل الثقافية ولخيارات المعهد.
الفن الإبداعي تحديدًا المحسوس والملموس لا يجيزُ للواسطة أيّ دور. أمر لُحظ في النظام الداخلي للمعهد بحيث جعلت السنة الأولى والثانية سنوات تحضيرية اختبارية، فإن أخطأت اللجنة باختيار ما، لن يكون ذو الموهبة الأقل جزءًا من منظومة قائمةٍ على الإبداع.
نتمنى الاتجاه نحو الدراسات النقدية
• الجميع يريدون الانضمام لقسم التمثيل، فيما يبدو النقد أقل رغبة وشعبية لدى الشباب. ورغم وجود قسم للنقد إلا أن النقد الفني السوري مازال دون المستوى المطلوب فنيًا واحترافيًا، لماذا برأيك؟
تحت مسمى قسم الدراسات المسرحية؛ يعتبر قسم النقد من أقدم أقسام المعهد بعد قسم التمثيل، إثر تشييده بتوقيع المبدعين سعدالله ونوس، ممدوح عدوان، ماري الياس، حنان قصاب وحسن نديم معلا. لكن أغلب خريجي قسم الدراسات المسرحية يتجهون للكتابة أو للعمل التلفزيوني أو الإخراجي. اتفق معكِ بأن التوجه لتشكيل أرضية نقدية ذات بعد أكاديمي غير محسوسة بعد، لكننا بالمعهد لا نمتلك سطوة على سوق العمل، إذ يمكننا بناء خريج جيد وممثل جيد، إلا أنّ الاتجاه نحو الدراسات النقدية أو بناء آراء نقدية حقيقية، لايزال جُل ما نتمناه.
أنا متعصب للمسرح ولأهمية رسالته
• تركتَ المسرح “أبو الفنون” وتفرغتَ تقريباً للعمل الإداري، هل الإنجازات تستحق التضحية، خاصة أن لديك الكثير مما لم تقله في المسرح، وقد يشكل إضافة حقيقية إلى التجربة السورية؟
لم أترك المسرح ولست قادرًا على مغادرة خشبته، لنقل ابتعدت في السنوات الخمس الأخيرة، أو انشغلت عن تقديم عروض مسرحية بسبب التفرغ للعمل الأكاديمي أو الإداري. لا أدّعي التعصب للمسرح لكنني حقيقة متعصب للمسرح، ولدوره ولأهمية رسالته. كنتُ حاضرًا خلال الفترة الواقعة بين 1990حتى 2005 في عروضٍ مهمة في المسرح السوري، تلبية لمشروعٍ مسرحي يعرفه الجمهور. فقد اشتغلت على الفرجة المسرحية رغم صعوبة ظروفها. كما عملت عام 2018 مع فرقة جامعية وبتجربة مسرحية مع طلابي عام 2020.
ما انفكّ العمل الإداري ذو قيمة فضلى، رغم ثمن ابتعادنا عن العمل الدرامي أو المسرحي، لكن ما ننجزه في المعهد العالي جعل من خريجينا أفضل السفراء. أعد بحضورٍ قادمٍ وبوحٍ عبر خشبة المسرح التي أعشق.
نضم صوتنا للمسرحيين دعمًا للمسرح
• يعاني المسرح من قلة الدعم المالي وتدني الأجور، وبالتالي هناك هجرة كبيرة باتجاه الدراما التلفزيونية، ماذا فعلتم على هذا الصعيد، وكيف يمكن دعم المسرح كي لا يتخلف عن الدراما؟
لا ريب أنها مشكلة مفصلية، خاصة في ظلّ المتطلبات المادية للمسرح وتدني الأجور التي أدت بدورها إلى إحجام العاملين أو الممثلين عن الالتحاق بالعمل المسرحي. كإدارة في المعهد نفتقد السلطة على الجهات الوصائية على الإنتاج المسرحي. لكننا نضم صوتنا للمسرحيين دعمًا للمسرح والمناداة بتقديم الإمكانيات لاستقطاب المسرحيين، فلا يمكن تقديم المسرح اليوم بحلة تقليدية قديمة، من دون مساندةٍ بصريّة سنوغرافيّة أو إعلان أو ترويج.
خياري الأكاديمي فوّت فرصة حضوري كممثل على الشاشة
• قلت في مقابلة صحفية: “اخترتُ العمل الأكاديمي عوضاً عن التمثيل لأنني أمتلك صفات القائد”، لأي مدى أثرت هذه السمة على خسارة الجمهور لمتابعتك كممثلٍ يحمل سحر الشخصية الإدارية؟
ما عنيتُ كلمة القيادة حرفيًا، وإنما إدارة المجموعة كصاحبِ أفكار ومشروع لتطوير مكانٍ أكاديميّ يستحق الارتقاء. لا بد أنّ خياري الأكاديمي فوّت فرصة حضوري كممثل على الشاشة. رغم أنني أحاول سنويًا المشاركة بشخصيات مؤثرة عبر أعمال مهمة. أعتزّ بمشاركتي في مسلسل كسر عضم مع المبدعة رشا شربتجي. وبشخصية عثمان بن عفان في مسلسل عمر بتوقيع المرحوم حاتم علي، ومشاركتي مع المخرج سمير حسين في مسلسل فوضى. محطاتٌ مارست عبرها المهنة التي أحب في محاولة للتواصل مع الجمهور. صحيح أنني لم أطرح نفسي كممثل، لكنني سعيد بخياري الأكاديمي أو كمخرج مسرحي صاحب مشروع.
ملتقى الإبداع أكاديمي عفوي مبنيّ على الحوار الصريح
• أطلقتَ ملتقى في عمادتك الأولى للمعهد الإبداع، لتتجلى جهودك في تألقه من جديد، ما أهميته لطلاب المعهد؟
يصبّ ملتقى الإبداع في صلب المنهج الأكاديمي لبناء الممثل في المعهد العالي للفنون المسرحية، على الصعد الإبداعية و السلوكية، التواضع وسبل اكتساب النجومية الحقّة.
لقاء أكاديمي عفوي مبنيّ على الحوار الصريح. إنه اعتراف بأهمية الضيف وثراء تجربته الفريدة. لا شكّ أنّ مؤسستنا المكان الأجدر لدعوة نجومنا الكبار أمثال (منى واصف وغسان مسعود وتيم حسن وأسامة الروماني وأمل عرفة وسلافة معمار ونضال الأشقر وعبد المنعم عمايري) احتفاء بتجاربهم الرائدة، ليقدموا خلاصة خبراتهم، ساردين بداياتهم وانتكاساتهم، نجاحاتهم وصعودهم، مختصرين مجموعة القيم والنصائح لطلاب وطالبات بأولى درجات السلم الشاق.
دعيني هنا أستحضر قول السيدة منى واصف: “لم يسكرني نجاح ولم يخفني فشل”. السنديانة التي لم تثنِ من عزيمتها صعاب. في حين كابد تيم حسن الكثير كي يقدم مشهدًا متقناً بالقول: “هذا بيتي، قاسيتُ الكثير، بكيتُ، فشلت حتى وصلت”. في حين تعتلي السيدة نضال الأشقر منبرنا لتقول: “أنتم أهم مدرسة تمثيل وأهم أكاديمية في الشرق”. خلاصة تجارب تدعم طلابنا وتقوي إحساسهم بالمسؤولية تجاه المعهد وتجاه أنفسهم، وتمنحهم الفرصة لطرح تساؤلات وأسئلة جريئة لضيوفهم للاستزادة والتعلم. سعيد بالمشروع والنتائج والصدى وأوجه تحية إجلال لضيوفنا الأكارم.
ندعو جميع الخريجين لتقديم تجاربهم عبر المعهد
• ما هي خطط ومشاريع الدكتور تامر العربيد القادمة، وما يحمله بجعبته للمعهد العالي للفنون المسرحية؟
أفكار كثيرة على الصعيد الأكاديمي، بدأناها بمتابعة ملتقى الإبداع مع تظاهرة عروض من الذاكرة؛ تذكيرًا وتكريمًا لأساتذة وخريجين سابقين أمثال باسم ياخور، جهاد سعد وحسن عويتي وغيرهم من الكبار. أطلقنا تفعيل يومي المسرح والرقص كمحطتين تعكسان المستوى الإبداعي للمعهد. كما فعّلنا ورشات العمل في قسم التمثيل والرقص والسينوغراف . أما اليوم فنعمل على تجهيز البنى اللوجستية لإطلاق قسم الإخراج المسرحي. إضافة إلى تحضيرات للتواصل مع عروض خارج الحدود مع خبراء أجانب. ولفتح أفق أمام خريجي المعهد لتقديم خلاصة تجاربهم ضمن المعهد، قمنا مؤخرًا بإحياء فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية. دعيني والفريق الإداري للمعهد، أدعو عبر منبركم؛ جميع الخريجين أصحاب التجارب لتقديم تجاربهم عبر المعهد الذي سيقوم بتقديم التسهيلات للعروض ذات الطابع المختبري التجريبي التجديدي.
وفي ختام حديثه أكد الدكتور تامر العربيد أنّ الذاكرة والتراكم وثراء المكان يحملنا مسؤولية السعي للتجديد والتطوير ليبقى هذا المكان حاضنة نوعية مترفة.