… وحرف الواو في عنوان المقال ليس واو العطف تماماً، بل يكاد يكون معبراً، وهذا المعبر بالتحديد يتأرجح نتيجة ضعف هيكله وهشاشة دعائمه، فالعطف إجمالاً هو لجمع جهتين من القول، فتعطف الأولى على الثانية وكأنها تقول لها “تعالي معي”. وأحرف العطف غالباً لا تكون رحيمة أو غفورة، إلاّ بقدر ما “يرحم” أو “يغفر” ما سبقها. فنقول “شتّان بين الثرى والثريا”، أو نقول “ضاع الأمل بين الحلم واليقظة”.
هذه المقدمة ليست من باب التهكم ولا من باب السخرية، بل تعكس حقيقة العلاقة التي يجب أن تستتب بين السوريين القوميين الاجتماعيين من جهة ومسألة الانتخابات النيابية في الكيان اللبناني من جهة ثانية، هي العلاقة بين الثرى والثريا، بين الحلم واليقظة، بين النور والظلمة.
مبدأ “فصل الدين عن الدولة” يتحوّل، لحظة ملئ إضبارة الترشح للنيابة من قِبل سوري قومي اجتماعي، إلى مجرد ترف فكري وشعار فارغ من كل مضامينه الإصلاحية والمجتمعية، فالمرشح بات مرشّحاً عن مقعد يحمل صفة طائفية دينية مذهبية. العبارة التي ترشح منها كافة أنواع وأشكال التضادات والتناقضات هي “مرشح الحزب السوري القومي عن المقعد الماروني أو الكاثوليكي أو البروستانتي أو غيره”. هذا أبعد ما يكون عن حقيقة المبدأ وجوهره.
المبادئ الاصلاحية في الحزب السوري القومي الاجتماعي التي تكفل إحداث التغير في الامة هي الجزء من العقيدة المناط به نقل المجتمع من حالات تقليدية تقوم على أسس بالية كالمذهب والطائفة والعشيرة والقبيلة إلى حالات راقية تقوم على أسس مجتمعية كالتفاعل والعلمانية والانطلاق إلى إقامة نظام جديد.
قد يمطرنا الكثيرون، عن قصد أو عن غير قصد، بمحاضرات عن تكتيكات سياسية ومناورات بهلوانية وجدوى العمل في الندوة النيابية لتفعيل خطط الحزب ومراميه السياسية إلخ، وتبقى تلك المحاضرات مجرد فقاعات هواء أمام فعل التجدد الذي أطلقه سعاده من خلال توجهاته “إن النظام الانتخابي الحاضر لا يمكن أن يكون الواسطة الصالحة لتحقيق المبادئ الجديدة ولتحقيق التغير. أي لنقل الأمة من حياة وحالة حياة إلى حياة وحالة حياة أخرى، لأنه في هذا النظام الاستمرار والتراكم هما اللذان لهما اليد العليا على الخلق وعلى الفاعلية – سعاده – المحاضرات العشر”.
إنه بالفعل من الغرابة أن نجد عدداً لا بأس به من السوريين القوميين الاجتماعيين الذين آمنوا بقوة فعل النهضة كحركة تجديدية تغييرية في المجتمع، تلك القوة التي من المفترض أن تكون قد منحتهم المناعة والصلابة ضد مؤثرات المجتمع الطائفي والمذهبي القديم، وضد ضوضاء المحسوبيات السياسية “اللبنانية الضيقة” ومن يقودها من مشايخ وباكاوات وآغوات، كما وأقسم هؤلاء القوميون اليمين على أساس هذا الإيمان، أن نجدهم قد أُصيبوا بهذه اللوثة التي تشوبها كل أنواع العفن السياسي التقليدي، ومن ثمّ يستمرون في الحديث عن التغيير وجعل الحزب حركة الشعب العامة.
كيف يمكننا ولو الحديث عن جعل الحزب حركة شعبية عامة و”سياسيو” الحزب ومرشحوه يتلطون وراء زعماء الطوائف والإقطاع، وينضوون في حكومات ومجالس يرأسها أمثال هؤلاء؟
إنه بالفعل لأمر غريب أن نعلن أننا نسعى لإقامة نظام مجتمعي قومي جديد في حين أن البعض منا صدّق بالفعل أن الوصول إلى مقعد نيابي أو وزاري هو واحد من أهداف حزب سعاده، وخاصة في نظام يقوم على التوزيع الطائفي المذهبي ومحاصصة الاقطاع العائلي والزعامات السياسية التقليدية.
إنه فعلاً في منتهى الغرابة أنه في زمن ينقسم الحزب إلى ثلاثة تنظيمات (وكل يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرّ له بذلك) ومعارضته تنقسم إلى خمس معارضات، وكيانات الامة كلّها مشتعلة وتجري في جداول بل أنهر من الدم والدمار والخراب، تعلو الأصوات الانتخابية “القومية” ملء الحنايا والأفئدة تنادي وتصرخ، في حين تصمت الأصوات أو تُكَمُّ الأفواه الداعية إلى إخراج الحزب من أزماته، وإلى وحدة القوميين بعيداً عن قياداته التي لم تكرس إلا النزعات الفردية والعمل لتحقيق مآرب شخصية.
أولا يتساءل المتحمسون لهذه الانتخابات “المركّبة أصلاً” عن المنفعة التي جناها الحزب من مشاركته في مختلف المجالس والحكومات المتتالية على امتداد العقود الثلاثة الماضية؟ اللهم باستثناء منفعات شخصية تجلّت على شكل قصور ومراكز و”مرابع” أمنية. هل من سائل عن مدى اقتراب الحزب من تحقيق غايته منذ شارك في العمل السياسي في الكيان اللبناني؟
هذه الواو معبر خشبي مهترئ وما يجمع أجزاءه من مسامير فقد أكلها الصدأ. تعالوا لنعيد للواو العاطفة فعلها. تعالوا لنعمل بكل خير وحق وجمال وفكر وأصالة ورقي وتفاعل وحرية وواجب ونظام وقوة وبطولة وإيمان وعزيمة لنعيد حزبنا إلى ألقه وكفانا تخبط في مستنقعات التقاليد السياسية الرثة.