الذوبان في سياسة الآخرين

Share

منذ أن ألقى أنطون سعاده خطابه عام 1935، الذي دُعي بالخطاب المنهاجي الأول، وحال الأمة هي ما هي عليه، من الهجمة الصهيونية الى الزمن العتيق حيث الشعب قطائع موقوفة على عائلات معينة تبذل مصالح الشعب في سبيل نفوذها، وصولاً للعقائد المقدسة بين الديني والمذهبي وحتى الوضعي منها. كما لا يمكن تناسي صراع الامم البقاء، أوضاع الامس هي أوضاع اليوم، لكن حزب سعاده في الأمس ليس كحزبه اليوم.

نظرة سريعة لما حدث مع سعاده بعد عودته من مغتربه القسري، وكيفية معالجته موضوع الانحراف القيادي، ودعوته القوميين للعودة الى ساح الصراع من حيث هو صاحب الدعوة، لم يستطع حزبه بعد إعدامه أن يعالج أيًا من المعضلات التي واجهته. ففي كل منعطف مصيري يواجه الأمة، كان الحزب يذهب الى الانشقاق، وكان الانشقاق يُغطّى تارةً بانحراف فكري وطورًا بعدم احترام الدستور، إلا أن المتفحص بعين نسرية لا بد أن يلحظ مدى الهوة بين معتنقي الفكر القومي الاجتماعي لا سيما في القيادات العليا، في فهم الخطاب المنهاجي الذي حاول سعاده من خلاله رسم خارطة طريق للعمل النضالي برمته ان على الصعيد الداخلي أو في صراع الأمم البقاء.

عودة للخمسينات، إثر إعدام صاحب الدعوة، نجد أن التقليد طغى على قيادة عبد المسيح دون أن يكون لديه الشخصية الملمة الزعاماتية، حتى يمكن القول إنه استنفد كونه صحابيًا، كل الإرث الذي وصله بفترة قياسية وتأثيره لم يتجاوز شخصيات نظامية دون أولئك المحترفين في شتى الحقول المعرفية، حربًا وسياسة وفكرًا.

بعد عبد المسيح بقي الإرث اليميني إثر اغتيال المالكي، مراهنًا أصحابه على حصان طروادة الغربي، ليس لرؤية معينة بقدر ما كان عنصر البداوة الانتقامي طاغياً لمحاولة رد الصاع الناصري وأدواته بدمشق، وانتقل الأمر للميدان اللبناني بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.

دخول السجن بدا وكأنه فترة مراجعة للمسيرة برمتها، قراءات جديدة للمتحول الاقليمي والدولي قام بها الأسرى، فبرزت شخصيات جديدة سرعان ما شقت طريقها قياديًا فكان الاصطدام الحتمي بعد مؤتمري دوڤيل وملكارت. الحرب الاهلية في لبنان دخلها القومي متبعثرًا، يسار مشدود للثورة الفلسطينية، ويمين يتناغم مع نظام دمشق. وحدة فانقسام، تلاها وحدة وانقسام. حتى في ظل الانشداد نحو دمشق لجميع اليافطات الحزبية قديمها وحديثها. واللافت أن موجة الانقسام هذه لفحت التيار التاريخي المتمثل بنهج عبدالمسيح.

كل ما ذكر آنفًا إنما للقول بأن مفاعيل الصراع السياسي المحتدم في الأمة بين مختلف التيارات والأنظمة، استطاعت النفاد لقلب الحزب، فكان لا بد من دفع الأثمان. الجميع حاول تقليد الزعيم عندما راهن على القيادة الشامية في عصره لاعتبارات لها علاقة بإعلان دولة الكيان الغاصب، وتناسى جميع من تعاقب أن للأنظمة حسابات تختلف كليًا عن حساب التيارات التي تناضل لتغيير واقع الحال، مما يسهل عملية الفرز والانشقاق لانتفاء المرجع العقدي عند الذوبان بسياسات الاخرين.

0
0