العودة إلى سعادة. دستور سعادة. حزب سعادة. وغيرها من العناوين التي نسمعها من العديد الذين يرون انحرافاً في مسار الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ استشهاد المؤسس. ولكي لا ندخل في النيات، يجب علينا أن نعي ما هو الحزب السوري القومي الاجتماعي. وما هي عوامل ضعفه. وما هي العوامل التي تسمح بنهوضه ونفض غبار الترهل عن جسمه العظيم!
بداية، أسس الحزب السوري القومي الاجتماعي. حركة تصعد نحو القمم. من قمة إلى قمة قمة. فهو ليس حركة للرجوع إلى الوراء بل حركة تسير بالمجتمع السوري نحو التقدم والازدهار مرتكزة على عدة عوامل أهمها:
– علمية نظرة الحزب لمفهوم الأمة، مما أدى إلى صحة الانتماء لها وبالتالي صحة تحديد المصلحة العليا التي تعلو على المصالح الفردية والطائفية والعشائرية وغيرها من المصالح الجزئية التي تؤدي إلى تقسيم المجتمع السوري إلى مجتمعات متناحرة فيما بينها. تسمح للتدخل الخارجي في تحديد مصيرها.
– مبادئ الحزب الأساسية التي باختصار تحدد الهوية القومية واستقلال القضية السورية وتشرح طبيعة الشعب السوري وتعنى بالاستقلال المادي والنفسي و تؤكد على وحدة المجتمع، وتضع المعيار الأهم لكل عمل ألا وهو مصلحة سوريا التي هي فوق كل مصلحة. هذا المعيار يترتب عليه أن يكون السوري القومي الاجتماعي ممارساً للمناقب التي تؤدي إلى نهضة شعبه، ورافضاً للمثالب التي أدت إلى الويلات فيه!
– المبادئ الإصلاحية، التي تعنى بإصلاح حال المجتمع والتي تلخص بالدعوة لانشاء دولة قوية قومية، شرعها مصلحة شعبها ذات اقتصاد قوي، وجيش قادر على الدفاع عن مصالحها وعلى استقلالها.
– نظرة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى مفاصل الحياة والمستندة إلى الوعي لحقيقة كوننا (السوريين) أصحاب حضارة أثرت وأنتجت وعلمت وتعلمت في مختلف الميادين. فنشأت فيها نفسية خاصة فيها كل الحق والخير والجمال! نفسية قادرة على بناء نفسها من جديد لتواكب التطور والتقدم!
وكون المبادئ كما وصفها المؤسس بأنها مكتنزات الفكر، وقواعد الانطلاق، فالانطلاق لا يكون للخلف بل للأمام. قوة الحزب لحينه، تأتي من أنه يدعو لعقيدة تؤيدها الشواهد العلمية. فهي قادرة على استقطاب العقول والقلوب!
إذاً ما هي عوامل ضعفه؟
حتماً إن المؤامرات الخارجية التي تعرض لها الحزب، لها دورٌ واضحٌ في ضعفه وتراجعه وعدم تحقيقه لأهدافه. ولكن ليست هي الوحيدة في هذا الأمر. مشكلة الحزب الاساسية أنه لم تتمكن له قيادة حقيقية قادرة على الاستمرار بما وضعه الزعيم. الزعيم كان بحالة تطور فكري دائم. أما من أتى بعده (ولا أعمم) فهو وإن لم يستطع الاستمرار بهذا التطور الفكري، فإنه ادعى أنه المطبق الصحيح لفكر الزعيم. عبر اجتزائه لقول من هنا وقول من هناك فقط ليثبت شرعيته في الإدارة وليشحن معتنقي العقيدة بشعور الولاء له وضرورة الثقة العمياء فيه. وهذا ما أدى لاحقاً إلى قلة النخب الثقافية الفكرية الادارية المنتظمة في الحزب (يجب تناول هذا الموضوع بشرح مستقل)
وقلة هذه النخب أدت إلى عدم قدرة الحزب على أن يكون مؤثراً كما يجب في محيطه القومي! أيضاً تشويه دستور الحزب لا تطويره وذلك لأغراض شخصية (تثبيت سلطة مجموعة معينة)
إن الخطورة الأكبر هي في استخدام أجزاء من مقالات أو رسائل أو خطابات للمؤسس في نشر التحجر والتزمت فنرى مثلاً إذا قام شخص ما بانتقاد فكرة من أفكار الحزب يلجأ العديد من القوميين لاستخدام قول لانطون سعاده لمغالطته وتسفيهه. (سيل النهر الهادر.. الجهالة العمياء.. إلخ)
وهذا بحد ذاته هو الابتعاد عن نهج سعاده. فسعاده لجأ الى النقاش الطويل مع الافراد ولم يهاجم إلا بعد التأكد التام من خطورة الفكرة المضادة ومن إصرار مطلقها على التفرقة بين ابناء المجتمع الواحد.
نرى هذا التخشب أيضاً في داخل الحزب السوري القومي الاجتماعي. فما إن يطرح الرفيق فكرة ما لا تلائم أهواء الإدارة، يتهم فوراً بالخيانة والخروج عن القسم وعدم الالتزام بالنظام. مستشهدين بأقوال من سعاده. متناسين أن الزعيم نفسه قال بأن النظام يجب أن يكون في خدمة الفكر لا سيفاً بوجه الأعضاء!
المشكلة اذاً هي فعلاً بالخروج عن منهجية سعاده التي تعتمد على محاور العقل وعلى استنهاض الهمم!
سعاده نفسه الذي لم يفصل أحداً أو يطرده إلا بعد نقاشات طويلة. سعاده نفسه الذي دعا في خطاباته لنشر الاخوة القومية والمحبة. لا يرى فيه البعض إلا عصا قاسية غليظة.
يكون الخلف صالحاً، بمقدار ما يستمر بمنهجية العقل. بمقدار ما يستمر بنشر النهضة وتحقيق غاية الحزب. أما الخلف الطالح. فهو من يأخذ حرفاً من أجل منفعته وينسى باقي الأحرف التي تؤكد على أهمية المحبة في العمل الجماعي!
ومن المؤسف أن الادارات تسفه وتكفر من يخالفها الرأي، بدلاً من أن تحتوي الأفكار والآراء من أجل بناء صحيح.
ومن المحبط تسفيه كل من يدعو لوحدة الحزب، بداعي أن كل قسم من الأقسام هو فقط الحزب والقوميين إما أن يكونوا معه أو هم حانثون بالقسم!
في النهاية من المهم جداً إعادة قراءة الفكر السوري القومي الاجتماعي لا للرجوع إلى سعاده والبقاء في زمنه. ولكن للانطلاق الصحيح الذي يؤدي للنتائج الصحيحة!