يعاني السوريون من عدة أزمات حياتية، وللدقة، هي عدد غير محدود من الأزمات التي تحاصرهم، فمشكلاتهم تخطت مرحلة الإزعاجات أو الضغوط، ولم يعد بالإمكان وصفها إلا بالأزمات. والأزمة هنا باتت مصطلحًا يصبغ أي شأن عام، ويصفه: أزمة كهرباء، أزمة محروقات، أزمة مياه، أزمة بطالة، أزمة فقر، أزمة تدني أجور، أزمة سكن، أزمة مواصلات… على جميع الصعد تقريبًا، والمشكلة تكمن في وجود علاقة قرابة تجمع بين كل تلك الأزمات، ما عقّد المسألة وجعلها عصية عن الحل، ولو على مستوى التصريحات الرسمية، التي وجدت في علاقات القرابة مساحات خصبة لاستنبات التبريرات. فكيف يمكننا حل أزمة السكن بوجود أزمة الفقر؟ وكيف يمكن حل أزمة الفقر بوجود أزمة تدني الأجور؟ وأزمة المياه بوجود أزمة كهرباء؟ وأزمتي الكهرباء والمواصلات بوجود أزمة محروقات؟ وأزمة المياه بوجود أزمة كهرباء؟ وأزمة المحروقات بوجود أزمة عجز في الميزانية؟ وأزمة العجز بوجود أزمة الركود الاقتصادي؟ لنكتشف لاحقًا أن شجرة التوت، تحتاج إلى سلّم لصعودها، والسلّم موجود عند النجار، (ونجار بدو مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد بدو بيضة، والبيضة عند الجاجة…) وهنا ما يستوجب الوقوف، لتبيان إذا ما كانت البيضة في البدء أم الدجاجة، قبل أن نتابع، لننظر في مشروعية مطالب الدجاجة بحبة القمح.
جميع المؤشرات، أثناء البحث عن إجابات، كانت تتحرك هبوطًا، ومعاناة السوريين تزداد تباعاً، إلى أن خرجت الحكومة عن صمتها، معلنة اكتشاف المتهم الأساسي بمعاناة السوريين، والمسبب لكل تلك الأزمات المترابطة. علّه لم يكن اكتشافًا بقدر ما كان اعترافًا، فالمتهم هو التقنين الكهربائي، المعطل لكل شيء في حياة المواطنين، بدءًا من عجلة الإنتاج، وصولاً إلى تسببه بالفقر، والعجز الاقتصادي. صخرة تقبع على صدور الجميع، أفرادًا ومؤسسات، وعند الصراخ، كان يأتينا الجواب ببساطة: أعطال، ونقص في المحروقات.
وجدنا المشكلة، ولم نكتفِ بالاعتراف أنها المشكلة، بل وجدنا معها الحل. ولن نقول إننا كنا نعلم مسبقًا، وإيجادنا للحل سبّب اعترافنا الجريء بالمشكلة، بل إن المشكلة ذاتها هي من حركتنا باتجاه الحل، والمتمثل بتوليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، وهو حل سحري، فلا محروقات تُعيقنا، ولا أعطال تقف في وجهنا، ولا حتى غربال يمكنه حجب شمسنا.
تحركات سريعة على المستوى الحكومي، بقرارات من شأنها التشجيع على استثمار الطاقة المتجددة. ومشاريع قيد التنفيذ. ومعارض.. ومئات التقارير الإعلامية التي تؤكد على ضرورة وفوائد هذا الاستثمار.. وألواح شمسية تغزو الأسواق.. وسيل من الإعلانات والعروض يملأ صفحات الفيسبوك.. لكن الاعتراف، وإيجاد الحل، وما سبق من عروض، لم يتمكن من اقناع مواطن، راتبه الشهري 150 ألف ليرة، بدفع مبلغ خمسة عشر مليون ليرة، ثمن نصف يوم كهرباء، نصفه الآخر تُغذّيه بطارية، يتجاوز ثمنها مليون ليرة، حتى لو عاشت برفقته تواسيه خمس سنوات.. وقد لا تكون المشكلة عنده بالنصف يوم كهرباء، بل بالمئة شهر القادمة، التي سوف يقضيها بلا طعام، إلى أن يسدد فاتورة ما اقترفت يداه.. وعليه نستطيع التأكد من أنه لن يتخذ هكذا قرار، فهو سينتظر نتائج الجهود الحكومية، وعشرات المشاريع العامة التي وضعت قيد التنفيذ، وسيظل مؤمناً بأن الحل لن يكون فردياً.
سورية ليست الدولة الوحيدة التي تعلن اهتمامها بالطاقة المتجددة، ويمكن تصنيفها ضمن قائمة الدول المتأخرة باتخاذ القرار، فجميع دول العالم، باتت تسابق الزمن في محاولة استبدال توليد الكهرباء، بالطاقات المتجددة، حتى إن أغلب الدول العربية أصبح لديها مشاريع ضخمة، كمشروع (مجمع نور ورزازات) في المغرب، والذي يُعد أكبر محطة للطاقة الشمسية (المركزة) في العالم، مُشاد على مساحة 3000 هكتارًا، ومجمع (بنبان) في مصر، والذي يُعتبر أضخم محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في العالم، ومحطة (عبري) في سلطنة عمان، الممتدّة على مساحة 13 مليون متر مربع، وتستخدم نحو مليون و500 ألف لوح شمسي، أما الإمارات فقد أنشأت محطة (شمس)، على مساحة بلغت 2,5 كيلومتر مربع، ولم تكتف بالطاقة الشمسية، بل تخطتها، لتولّد الكهرباء من خلال تدوير النفايات، في محطة الشارقة، التي باتت تزود 28 ألف منزل بالكهرباء، وتؤمن 45 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي للبلاد في كل عام.
أما في المشهد العالمي، فنجد ألمانيا، إحدى رواد هذا المجال، حتى إن اقتصادها بات يطلق عليه تسمية “اقتصاد الطاقة المتجددة الرئيسي الأول في العالم”، ففي عام 2014 امتلكت أكبر طاقة فوتوفولطية مركبة في العالم، وتسعى إلى ضمان حصول البلاد على 100% من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2050. وهنا يجب أن نتوقف قليلاً، فألمانيا صاحبة الاقتصاد الأقوى أوروبيًا، بدأت العمل على طاقاتها المتجددة عام 1990، وحسب الخطة المرسومة، فقد تحتاج إلى 60 عامًا، منذ انطلاقها، للوصول إلى الاعتماد الكلي عليها. وهو ما يعيدنا إلى المشاريع الحكومية السورية، والمواطن المسكين، المنتظر، الذي لم يتخذ القرار بالتحول الفردي إلى الطاقة المتجددة، ايمانًا منه باشتراكية الحلول، وبالانتعاش العام قريبًا، وقد تم الاعتراف أمامه عن السبب الرئيسي لجميع أزماته الحياتية. فهل سيتوجب عليه الانتظار 60 سنة أخرى لتتعدل أحواله؟ أما كان من الأفضل تركه منشغلاً في بحثه، وسط الظلام، عن السلّم، والمسمار، والحداد، والبيضة، والدجاجة، أملاً منه في الخلاص القريب.. بإذن الله؟