زيد قطريب
أمضينا عمرنا على خطوط التماس. في الشعر والسياسة والحب، وفي سجلات مؤسسة التأمينات الاجتماعية، كان التماسُ لعنةً في خرائط “الجي بي إس”. حتى جغرافيا المنزل تطلُّ بشكل متساوٍ على أسيجة المتقاتلين والسبطانات الممدودة نحو فرشات الاسفنج التي ننقّلها بين أوضة النوم وغرفة الضيوف!
أمضينا عمرنا على خطوط التماس. القصائد التي كتبناها تبدو ملطخةً بالدمّ، وهي تعبر شوارع الشام رافضةً أن ترحل!
يقول البعضُ إنها لعنة “الجيوسياسة”، ونسميها غراماً بسقاية العصافير
عندما تغرد فوق “البرندا” العزلاء المطلة على الخراب.
كأننا قبائلُ إفريقية، نمضي مشنشلين بالعظام وريش الحمام الميت!
أو ربما نحن المتبقّون الأخيرون من “الإينوماإليش” عندما لم يكن هناك سماء ولا أرض!
النجاةُ من هذا الموتِ عار!
خطوات “أرشكيجال” تُسمعُ بعد الثانية عشرة ليلاً، بعد أن تُحكم إغلاق القبو الذي تملكه في آخر جرمانا، كي لا يفرّ الموتى من دوامهم اليومي كمتطوعين في الجحيم!
يتمنى الشعراءُ لأحبتهم موتاً يانعاً،
على عكس القصائد التي سمّاها الماغوط بالجيفة الخالدة!
إنهم يهدونَ القتيلاتِ أهازيجَ كاملةً من الـO سلبي.
.. أيتها الكلماتُ المصابة بالرُّعاف
مدّي صوبنا خيوط الدم الأبيض
يقولون إن الضوء يلمع آخر النفق
حيث تكبر شجيراتُ النفاق مع المزاودات!
ونحن ندمنُ الجلوس على خطوط التماس
كي لا يغيب القمرُ عن الحبيبات وهنَّ يُقتلنَ أمام الملأ!
في أبجديات الأسطورة السورية القديمة، ينهض الفينيقُ من الرماد بعد أن يذبل الأمل ويموت، بينما يقول ابن خلدون إن التوهج الأخير في عمر الحضارات وهي تحتضر، لا يعني أبداً أنها ستعود للحياة!
إنه الخط البيانيُّ لضخ الدم في الجسد المهروقِ بفعل انتهاء صلاحيات القلب، وتعطّل الوجدان!
يكتب شاعرٌ سومريٌ قديم على حجر آجريّ وصل إلينا بالمصادفة:
أحب حنطةَ وجهكِ النقيّ.. أيتها الغزالة الجريحة!
ويكتب شاعر سوري حديث: تلك الغزالة المقتولةُ، تحولت إلى “جيفة خالدة”!
عرفتوا كيف؟